يبدو أن سلامة النفس البشرية وتفاعلاتها اليومية له علاقة بقدرات مجتمعها، فالمجتمع القادر على التصنيع والعطاء والإنتاج، يمنح النفس قوة جديدة وزخم إبداعي وثقة بالإتيان بما هو جديد. فالتصنيع له تأثير على النفس البشرية، وهو الذي يساهم في تصنيعها أيضا، ومدّها بما تحتاجه من المهارات اللازمة للقوة الحضارية وبناء الإرادة الإنسانية العزيزة الكريمة. إن إغفال بعض المجتمعات لهذا الركن الأساسي المؤثر في السلوك البشري، يجعلها تتحول إلى وجود واهي، ويوفر لها قدرات الانكماش والانحسار والاضمحلال والضياع. ويمكن تقدير الحالة النفسية للمجتمع من خلال معاينة قدراته الإنتاجية، ونشاطاته الصناعية والاقتصادية. فالحالة النفسية التي تتمتع بها مجتمعات النفط غير الحالة النفسية التي تتمتع بها مجتمعات لا تملك نفطا، اقرأ المزيد
انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة نشر الفضائح لشخصيات عامة على جميع الأصعدة.... اجتماعي سياسي، فني، رياضي، سواء بهدف تصفية حسابات من أي نوع، أو بهدف ادعاء الغيرة على الفضائل أو الشرف أو الدين. وهذه الظاهرة إن نجمت عن شيء فهي تنم عن انحدار في أخلاقيات المجتمع، بل هي وسيلة متدنية لا تناسب أخلاقياتنا، والمفروض أنها غريبة عن مجتمعنا الشرقي الذي يحكمه التدين الكامن فيه بالفطرة. نحن كبشر معرضين أن نخطئ بصرف النظر عن نوع تلك الخطيئة أو الخطايا،.. ولكن الكارثة الكبرى أن نصنع من أنفسنا حكاما وقضاة ونقوم بفضح من أخطأ ونشر عوراته عبر كل اقرأ المزيد
المجتمعات لا تتقدم وتكون بلا منارات علم ومعرفة وثقافة وفلسفة، وأقلام فكر ودراية تحفزها على التوثب والانطلاق الآمن الواثق الواضح المبين. وعندما تخلو المجتمعات من أنوارها الدالة ومشاعلها المضيئة، فأنها تتيه وتتخبط في الموعرات والدياجي الراسيات على صدرها، والمكبلات لحركتها وقدرتها على التواصل مع مفردات ما فيها من الطاقات والقدرات الإبداعية والإنسانية. والتنوير العلمي سلوك حضاري بعيد الامتداد في أعماق الأزمنة والأمكنة البشرية، وهو تقليد يحقق التراكم المعرفي والإدراكي الضروري لتشييد عمارات الحضارات الوطنية. فالمجتمع العربي في عصور تفتحه وانطلاقه كانت تزدحم فيه مصادر التنوير العلمي ورموزها، اقرأ المزيد
مجتمعاتنا تتعرض لموجات أباطيل وأعاصير أضاليل, منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم, وقد ترسخت في وعي الأجيال مصطلحات وثوابت أسست لآليات الرؤى والتصورات والتقديرات, وفقا لما يخدم المصالح ويؤمّن التطلعات والأهداف الظاهرة والخفية. وما يدور في الواقع العربي أنه مبرمج وفقا لتلك الأباطيل, التي يتم ترويجها وتعزيزها وتسويغها وإقرانها بأحداث ذات انفعالية عالية, لكي تحقق ثباتا أكبر وتأثيرا أقدر في سلوك الناس وتصوراتهم وتوجهاتهم, مما يُسهل التحكم بتقرير مصيرهم. ومن الواضح أن مناهج التعليم في المدارس وكذلك أنظمة الحكم والدساتير قد تم وضعها من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى اقرأ المزيد
الفساد نظام فعّال لديمومة دمار الهدف، هكذا هو التعريف الأصوب للفساد، أما القول بأنه جرثومة، سرطان، مرض، وباء وغيرها من التوصيفات لا تقترب من جوهر الفساد، فالذين حققوا أهدافهم بتدمير الدولة وتحطيم الهيكلية الفاعلة في القوة والنماء، لن يسمحوا للبلاد أن تستعيد أنفاسها وتبني ذاتها وتؤسس لموضوعها الحضاري المعاصر. ولكي يكون البرنامج مستوفيا لشروط التدمير الدائب النشاط، لا بد من نظام فاسد تترعرع فيه آليات الانقضاض على الحياة، ويتأكد الفتك بالأمل والرجاء، وتُدام الانكسارات والصراعات والقهر بالحاجات والحكم بالتبعيات. ووفقا لذلك يتميز رأس النظام بالفساد في المجتمع المُستهدف، اقرأ المزيد
ذات يوم كنت أتجول في مهرجان ثقافي في أحد الميادين، وقد نُصِبَت الأكشاك وأقيمت الفعاليات والنشاطات الثقافية المتنوعة، وما جلب انتباهي تواجد عدد من الأكشاك لفرق وجماعات ترفع رايات الإسلام، وكل منها قد وضع لافتة تقول أن إسلامه هو الإسلام الصحيح. فكل مذهب وفرقة وجماعة ترى أنها تمثل الإسلام الصحيح، وغيرها تمثل الإسلام المنحرف أو الخطا!! تعجبتُ من الأمر، وكان معي صديق فسألته: هل انتبهت لهذه اللافتات؟ قال: أي لافتات؟ قلت: انظر إلى هذه وتلك؟ ضحك صديقي وقال: إنهم تجار دين، ألا تراهم قد أقاموا أكشاكهم ليروجوا لبضاعتهم. لت: ربما تكون تجارة، لكنها مغشوشة، وهذا يتنافى مع بديهيات الإسلام. قال: أي إسلام، لقد ذهب الإسلام مع أهله. اقرأ المزيد
يبدو لي كلما تأملت السلوك البشري، أن العقل اختراع سرابي تضليلي، ذلك أن الذي يقود السلوك هي طاقات النفوس الهوجاء التي تسخر ما في البشر لتحقيق إراداتها. فالنفوس هي القائدة الرائدة المتسلطة المستبدة المهيمنة على التفاعلات البشرية كافة، ولا يمكن الإقرار بوجود العقل المجرد أو الفاعل في السلوك، ذلك أن أي سلوك هو من إنتاج آلات أخرى تنكر العقل. التأريخ يحدثنا بذلك، ومسيرة البشر الوحشية الغابية على مرّ آلاف القرون، تقدم لنا الأدلة الدامغة على معطيات تفاعلاتنا، التي تؤكد بأنها أقسى من أي تفاعلات تحصل ما بين المخلوقات الأخرى الجامدة والحية. فلماذا البشر معبّأ بالوحشية الشرسة ويدّعي العكس قولا؟!! فهل إن الإنسانية والعدل والسلام والرحمة مخترعات مخادعة للوصول إلى غايات نفسية دفينة في خفايا الأعماق البشرية، اقرأ المزيد
سقوط بغداد على يد المغول بقيادة هولاكو لا تزال لغزا محيرا، لأن الدولة العباسية كانت قوية عدة وعددا، ولم تكن ضعيفة ماديا وعسكريا كما يُشاع ويُدّعى، فهي دولة ذات خبرات طويلة متوارثة متراكمة وقادة أشداء محنكين وذوي قدرات عسكرية فذة، ولم تكن الدولة سهلة على المعتدين، ولا بغداد بيسيرة السقوط والدخول والاحتراق. لكن المشكلة أن الخليفة العباسي لم يكن صاحب إرادة بحجم الدولة والمسؤولية الملقاة على عاتقه، فتخاذل وتهاون وتكاسل، وما احتاط ولا عزم ولا تحدى ولا استبسل، وإنما توهم الصلح والسلام وتجنيب البلاد والعباد الحرب، وكان قد ارتكب خطيئة مروعة واتخذ قرارا انتحاريا، فحصل الذي حصل، رغم كل ما يُقال ويأتي به المبررون والمحللون والمعللون اقرأ المزيد
عدد الجسور المقامة على الأنهار يتناسب طرديا مع السلوك الإيجابي في المجتمع، لأنها تعطي رسالة واضحة صريحة على أن التفاعل ما بين الموجودات كافة متواصل وباتجاهات لا تحصى، مما يضخ النفس بطاقات الانتماء ويعزز فيها إرادات العبور والتداخل والتمازج والانتماء. وأنهار الدول المتقدمة ذات جسور متعددة ومتنوعة بهندستها وبهائها العمراني، فنهر السين في باريس لوحدها يعبره سبعة وثلاثون جسرا، متباهيةً بجمالها وطرزها العمرانية. وأنهارنا من أقل أنهار الدنيا تباهيا بالجسور، فلا توجد في مجتمعاتنا جسور جميلة وشادية بألحان التفاعل والتلاحم الوطني الدفاق، بل أننا نكاد نفتقر لثقافة مدّ الجسور، ونجيد مهارات حفر الخنادق وبناء الأسوار ما بين بعضنا البعض. اقرأ المزيد
المدينة تتسم بطبائع ورؤى أهلها، وكل مدينة تمثل صيرورة مادية لطاقات وتوجهات سكانها أجمعين. والمدينة كائن حي تتحرك في عروقه الحياة، فتتألق وتتداعى وتتفاعل، لكن المدينة بخصائصها ودلالاتها، تستمر وتبقى تنبض على إيقاع الدوران الأرضي. وفي الزمن الماضي كانت المدن ذات أسوار، وأنظمة خاصة بها، وتتحرك مسيرة الأيام فيها، وفقا لقراراتها وخرائط السلوك المتفق ومصلحة المدينة وأهلها. وفي بلادنا مدن كثيرة ذات شأن حضاري وروحي وفكري، ومنها انطلقت بدايات المعارف والعلوم والتصورات، والتحليلات والمدارس بمذاهبها ومشاربها. وكانت بغداد مدينة ذات أثر كبير في مسيرة الحضارة الإنسانية، ومن ثم سامراء، وقبلهما مدن غابرة مسافرة في غياهب الحضارات السحيقة في القدم، اقرأ المزيد




