حين تمنيت أن أبكى على صدرها
كنت في طريقي عائدة إلى منزلي منذ عام وسبعة أشهر أو ما يزيد قليلا وقت انتخابات مجلس الشعب والتي اكتسح فيها الإخوان المسلمون في الجولة الأولى مرشحي الحزب الوطني وأسقطوا الكثير من رموزه حين شاهدتهما فتاتين في عمر الزهور ربما عشرين عاما أو أكثر قليلا أو أقل قليلا كانت كلتاهما ترتدي غطاء الرأس (الحجاب) وكان يغطي معظم ملابسها وجهيهما كان يشعان نور وصفاء كنت أحمل ابنتي الصغرى على يدي ففوجئت بإحداهما تقترب مني وبمنتهى الرقة تطلب أن تحدثني لحظات فقلت لها بالطبع تفضلي:
- ممكن أعرف أنت رحت تدلي بصوتك في الانتخابات ولا لأ
- فأخبرتها أنني لا أحمل بطاقة انتخابيه للأسف.
- فقالت لازم تستخرجي واحدة.
- لا أدري حين قالت ذلك شعرت بغصة في قلبي وقلت لها تفتكري في فائدة.
- فابتسمت بهدوء وقالت إن شاء الله أكيد في فائدة لازم نحاول لا تيأسي هكذا لازم نحاول علشان بنتك تلاقي شغل وأنت تلاقي مستشفى مجاني محترم تتعالجي فيه دون أن تهان أدميتك علشان الفقر والبطالة والفساد اللي انتشر يوضع له حد.
- لا أعرف لماذا أحسست أنني أعرفها منذ زمن وددت لو بكيت على صدرها كنت أشعر بيأس شديد وألم ودعتها وأنا أعدها بأنني سأستخرج بطاقة انتخابية.
حين تركتها كنت أشعر بسعادة بالغة فهاهم شبابنا الذي يتهمونه بلا مبالاة والبلادة والاستسلام هؤلاء براعم منه كم تمنيت أن أكون معهم، ليت الدكتور وائل أبو هندي يفكر في إنشاء حزب سياسي يضم فيه كل المجانين المؤمنين بقضايا هذا الوطن وسأكون أول المشتركين.
الباب الصغير
كان بابا عاديا ككل الأبواب غير أن ارتفاعه لم يكن يزيد عن المتر ونصف المتر كان يقع أسفل سلم مدرستي الابتدائية كنت ألمحه في صعودي وهبوطي وتظل عيني متعلقة به أتخيل خلفه حكايات وحكايات أحيانا كنت أظنه يقود إلى دهليز خفي أسفل المدرسة تسكنه الجنيات والأشباح وأحيانا كنت أظنه يقود إلى عالم عجيب فيه تتحدث الحيوانات كان أملي أن أفتحه ذات يوم لأرى ما يخبئه.
ذلك الباب الصغير المقفل دائما ظللت سنوات أحلم بما خلفه وفجأة انهارت أحلامي دفعة واحدة حين فوجئت به مفتوحا على مصراعيه وكانت بداخله بعض الكراسي والتخت القديمة المكسورة وقد تجمعت فوق بعضها.
تمنيت لو أنني لم أراه مفتوحا حتى أظل أحلم بما خلفه غموضه كان يجذبني، وهكذا هي طبيعة الأشياء تفقد قيمتها حين تفقد غموضها فغموضها يفتح الباب أمام أحلامك اللانهائية لتتخيل كل ما يحلو لك فإذا ما عرفت طبيعة الأشياء فقدت قيمتها وانطفاء بريقها وزال عنها سحرها.
انكسار
كنت في طريقي أنا وخالي لقضاء إحدى المصالح حين تعطلت بنا السيارة فأخذ خالي يسأل عن ورشة ميكانيكا قريبة من مكان توقفنا ولحسن الحظ كان بالقرب منا ورشة أصلاح سيارات وجاء الأسطى الكبير ومعه صبي صغير ربما في الثالثة عشر من عمره كان يحمل الحقيبة التي تحتوي على أدوات الإصلاح والكوريك كنت أشفق عليه بسبب ثقل حمله وبدأ في رفع السيارة ثم نزل أسفل السيارة مع الأسطى الكبير كنت أقف عن بعد أرقب عملهم حين فجئت بخالي ينظر أسفل السيارة ويساعد الصبي الصغير على الخروج ويوجه كلامه للأسطى الكبير قائلا:
حرام عليك يا أخي اتقي الله في هذا الصبي الصغير فجئت بوجه الصبي وقد اكتسى بدم نتيجة نزيف من أنفه وما فهمته بعد ذلك أن الصبي قد أخطاء في إعطاء الأسطى المفتاح المطلوب فما كان منه إلا أن لكمه في أنفه فتسبب له في النزيف والغريب أن الصبي لم يفتح فمه ولم يتأوه أو يعترض.
أخذت أقارن بين هذا الصبي المسكين الذي حرم من طفولته وكتب عليه الشقاء والإهانة منذ نعومة أظافره وبين أولاد كثيرين في مثل سنه يغضبون إذا لم نحضر ألعاب الكمبيوتر الجديدة وإذا لم يذهبوا إلى النت كافيه كل يوم وإذا أحسست كم هم مرفهين وكم حرم هذا المسكين من أبسط حقوقه وشعرت أن نظراته تتهمنا جميعا بأننا سرقنا منه طفولته وأحلامه.
واقرأ أيضًا:
هل تعرف ماذا تريد؟ مذكرات تلميذة / سحر الجنون / عاجزة وروايات الدكتور مصطفى محمود