لم أكن أفهم بعض المصطلحات التي طالما لوًح بها كثير من الثوار والنشطاء والمدوٍنين والتويتريين (نسبة إلى تويتر) وأشهرها على الإطلاق هو مصطلح "المتاجرة" بمعناه الوضيع!! فحينما كانوا يقولون فلان بيتاجر بقضية فلان أو دم علان أو مصيبة ترتان كان الموضوع جديد عليّ ولا أفهم ما المقصود؟ يعني إيه بيتاجر بيه مش فاهمة.. ده بيدعم حقه في الحياة وحقه في الكرامة وحقه في المساواة والحرية إلى آخر الشعارات التي امتلأت بها يفط ميدان التحرير وامتلأت بها حناجر من يقف أمام أي كاميرا ويظل يهتف بمنتهى الحماس وينحر في قلبه لغاية أما نشوف اللوز مدلدلة وعروقه نافرة يا ضنايا، فأتأثر بالغ التأثر وأتحمق له حمقة أخت لأخيها أو أم لإبنها وأمسك في خناق من يهاجمه أو ينتقده وأتشدد له باستماتة مستشهده بإخلاصه للقضية وإن نيته خالصة مخلًصة لوجه الله والوطن .. وأنا أساسا معرفش إسمه إيه؟!!
ثم أفاجأ به هو ذات نفسه اسمه إيه ده في قضية مشابهة للقضية اللي نحر قلبه وقلبي معاه فيها، وألاقيه واخد وضع سمير غانم في مسرحية المتزوجون بحزمة الجرجير التي يمررها على ذقنه أمام المرآة التي يحملها في يده!! بسسست بسسست أكابتن حضرتك فيه قضية تخصك هناك تنفع فيها الهتافات بتاعتك القوية والمواقف الحاسمة والصوت الجهوري واللوز المدلدلة ... ولا حياة لمن يبسبس!
ومرة تلو الأخرى بعدما تكرر هذا الموقف أمامي وبعد ما حد من الولاد الحلال، اللي زي حالاتي قاعد يتفرج ويراقب الخلق ومحيٍد نفسه ومخرجها برة ليلة التربيطات والتكتلات والانتماءات، يفطًمني ويفهمني إن فلان ده مابيتحمقش غير لمن يخصه فقط ولمن ينتمي له ولمن يستفيد من ورائه ... ساعتها فقط فهمت معنى كلمة "المتاجرة" وبقيت شاطرة ونبيهة وألقطها وهي طايرة.
الحق ده بيقولوا فلان اتسحل، قرررب قرررب قرررب شوف واتفرج مللي عينك وطقطق ودانك عندنا بضاعة مية مية وارد الداخل فابريكة مصري تقفيل نص لبًة متكحرتة ومدعوكة في الأسفلت من النوع اللي مالوش ملة ولا تصنيف ينفع يبقى تبعنا .. اعتبره أخوك، اعتبره ابن أختك، اعتبره جوز أمك خد فكرة وعيًط عليه بكرة! وسمعني سلام المصري متهان وغلبان ويدي الحلق لللي بلا ودان واعمل حفلة عليه وسميها "صعبانيات" موسيقى حزينة بقى في الخلفية ... خِف النور شوية، انزل بقى بانفراداتك وسجل مع عبده لاكيه بتاع الدوكو اللي ساكن فوق خالته!... كَت، فيركيييش.. مبروك يا جماعة كسًرنا الدنيا امبارح..
طيب أكاباتن فيه واحد تاني فابريكة مصري برضه ومدعوكة ومسحوله نفس السحلة إياها ياللا بقى ضموها لألبوم صعبانيات... شششت احنا مش فاضيين للأشكال دي دول بيتاجروا بسحلتهم يولعوا يستاهلوا إيه اللي وداهم؟!! ... ده على أساس إن دول بيتاجروا وانتم فاتحين جمعية خيرية؟؟... كلكم تجار أحبايبي بس فيه تاجر شاطر يعرف يعرض بضاعته صح .. وفيه تاجر أهبل وعبيط، بيتاجر صحيح .. بس مش معلم زي التجار التانيين!
وإذا كان قدرنا أن نعيش في سوق أو سويقة يتبارى فيها الباعة الجائلون بفرش البضاعة ومنافسة بعضهم البعض في إقناعك أن بضاعته هي الأكثر صدقا والأكثر رواجا والأكثر ثقة فلم أتخيل في يوم من الأيام أن تصل المنافسة إلى حد المتاجرة بالجثث والأموات والخناق على انتمائهم السياسي وهم بين يدي الله وفي ذمة من سوف يحاسبهم على انتماءاتهم وأفعالهم ونيتهم، وبرغم جلال الموقف وهيبة الموت إلا أن هذه الهيبة لا يلتفت لها ولا يتعظ لها أحد ووصلنا في بعض الأحيان لدرجة أن التجار بيتخانقوا على الأموات على طريقة عد غنمك يا جحا.. دول يقولوا الجثة دي تبعي ودول يقولوا لأ الجثة دي تبعي... دول يقولوا شفتوا عندنا كام واحد ميت يبقى احنا الأحق؟ ودول يقولوا أمواتنا أكتر من أمواتكم... تزعل على اللي مات هناك يقوم يقولك ومازعلتش ليه على اللي مات عندي؟!! تزعل على اللي مات عنده يقوم يقولك زعلك لوحده مش كفايه لازم تاخد موقف يا تدفن نفسك معاه يا تبقى ماعندكش دم!! حتى من ماتوا نتيجة حادث ليس له أي علاقة لا بدول ولا بدوكهومه شباب سانت كاترين _اللهم ارحمهم واجعل مثواهم الجنة_ ...فقد سال لعاب الفريقين بشراهة وهم يتبارون لضم شباب سانت كاترين لملف القضية التي يدافعون عنها .. دول يقولوا الجيش السبب وراء موت شباب سانت كاترين بإهماله لهم وماصدقوا لقوا جنازة يشبعوا فيها لطم، ودول عملوا زى حمادة هلال، بس بالعكس، شباب سانت كاترين ماكانش المفروض يموتوا في سانت كاترين!!! ولم ينسوا أن يلطعوا ختم النسر بتاع الأيام الغبرة التي نعيشها واللي مكتوب في قعره إيه اللي وداهم هناك؟!!
بل ووصل الأمر بهؤلاء الذين يدافعون دفاع عمياني بوصم شباب في بداية العشرينات لا ينتمي غير لأمه وأبوه ورايحين يتفسحوا أساسا بأنهم كانوا على علاقة بجماعة أنصار بيت المقدس!!! وصلنا لدرجة من الرُخص والانحطاط تجعلني آسفة أتخيل مشهد أعتذر مقدما عن تخيله ولكنها الحقيقة المؤلمة التي نعيشها بل هي أرخص من ذلك ... أتخيل الخناقة التي نعيش فيها الآن على طريقة نيللي ... إوعي سيبي الجثة بتاعتي، لأ دي بتاعتي، يا سلام ياختي ... ماتشدش ماتشديش إنتي، ماتشدش ماتشديش إنتي!!!
واقرأ أيضاً:
الاستهبال على وعىٍ كسولْ/ قصة قصيرة (جديدة) "هاييتي"!!/ نحن لصوص ولسنا خونة!/ الذين يعبدون الله على حرف، والإيمان المصري