علا الضجيج الإسرائيلي، وارتفع صوت صراخهم، بالشكوى والسؤال، والعويل والأنين، والبكاء والنواح، وجأروا عبر مختلف وسائل الإعلام بعالي صوتهم، وصريح كلماتهم، مطالبين المجتمع الدولي بسرعة التحرك لنصرتهم وحمايتهم، وضرورة مساعدتهم والوقوف معهم، وعدم التخلي عنهم في محنتهم، وبوجوب التنديد بالممارسات الفلسطينية الأخيرة في مدينة القدس، وبمحاولات المواطنين الفلسطينيين دهس مستوطنيهم وقتلهم، والاعتداء عليهم وتخويفهم، وبث الرعب فيهم ونشر الذعر بينهم.
فقد استحالت حياة الإسرائيليين خوفاً في القدس وفي مختلف مدن الضفة الغربية، بعد موجة الدهس التي قام بها بعض الفلسطينيين الثائرين غضباً لقدسهم، وانتصاراً لأقصاهم، الذي يقوم الإسـرائيليون باقتحامـه وتدنيسـه، ويُحاولون احتلالـه والسـيطرة عليـه، أو مُقاسـمـة الفلسـطينيين فيـه زماناً ومكاناً، تمهيداً لهدمـه وإزالتـه، وبناء هيكلهم مكانـه، وطرد المسـلمين منـه ومن حولـه، ليكون لهم خالياً مجرداً، وخالصاً نقياً، لا يُشـاركهم فيـه أحد، ولا يُنازعهم في ملكيتـه وإدارتـه شـريك، ولا يعيب عليهم فيما يفعلون فيه أو يتصرفون في أنحائه أحد!
المسئولون الإسرائيليون يتحدثون بجدية وبثقةٍ ويقين، دون إحساسٍ بالحرج، أو خوفٍ من النقد، فلا يظنن أحدٌ أنهم يمزحون أو يسخرون، أو أنهم يتظاهرون ولا يقصدون، أو أننا نُبالغ ونفتري عليهم، أو أننا نكذب وندعي عليهم، أو نتحدث بغير الصدق عنهم، بل إننا ننقل كلامهم، ونُعيد على الأسماع تصريحاتهم، ولا نُبدل فيها ولا نُغيّر، ولا نزيد فيها ولا نضيف عليها.
إنهم يُطالبون جدياً المجتمع الدولي بأن يكون على قدر المسئولية، وأن يقوم بالدور الملقى على عاتقه، وألا يتأخر عن القيام بواجبه، وأن يكون "منصفاً" في مواقفه، فلا تتعدد عنده المعايير والمقاييس، ولا تتناقض عنده القيم والمفاهيم، وألا يكون "منحازاً" مع الفلسطينيين ضدهم، ولا متعاطفاً معهم، إذ يتهمونه بالاصطفاف معهم، والوقوف إلى جانبهم، بل إنهم يتهمون مجلس الأمن والأسرة الدولية "بالتقصير"، وأنهم يصمتون على "الجريمة" الفلسطينية، ويقفون مع المعتدي، ويمتنعون عن نصرة الضحية والدفاع عنها..!!
فقد ذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية، أن مندوب (إسرائيل) الدائم لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك (رون بروس أور) وجه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي منتقداً إياه على صمته إزاء العمليات التي يقوم بها المقدسيون ضد المواطنين الإسرائيليين في القدس، وعدم إدانته لها، كما انتقد الممارسات التحريضية التي تقوم بها القيادة الفلسطينية، وطالب مجلس الأمن بسرعة الانعقاد لإصدار موقفٍ مستنكرٍ للاعتداءات الفلسطينية..!!
الإسرائيليون يعرفون تماماً أنهم يرتكبون حماقة بمطلبهم من المجتمع الدولي مساندتهم والوقوف معهم، وأنهم بطلبهم هذا إنما يستخفون بالعقول، ويستهزءون بالدول والحكومات، ويسخرون من العالم كله، ولكنهم واثقين من أن المجتمع الدولي سيقف إلى جانبهم، وسيسمع كلامهم، وسيُصدق روايتهم، وسيُدافع عنهم، وسيتفهم مطلبهم، وسيحترم إرادتهم، وسيكون جاداً في تأييدهم ونصرتهم، وسيكون حاسماً مع عدوهم الفلسطيني، وقاسياً عليه، وغاضباً منه، إذ سيُدين أفعاله، وسيستنكر ما يقوم به مواطنوه، وسيُطالب سلطته الوطنية بلجم مواطنيها، وكف أيديهم، ومنعهم من القيام بأي عملٍ من شأنه الإضرار بالمستوطنين الإسرائيليين، أو تعريض حياتهم للخطر..!!
إن المجتمع الدولي هو الذي أغرى الإسـرائيليين وشـجعهم، وهو الذي دللهم عندما غضَّ الطرف عن جرائمهم، وهو الذي عوَّدهم على الضرب والبكاء، والاعتداء والشـكوى، والظلم وادعاء المظلوميـة، وممارسـة كل الموبقات وادعاء الطهارة، وارتكاب كل الجرائم والظهور ببراءة، وقتل الفلسـطينيين ومصادرة حقوقهم ثم اتهامهم، والاعتداء على مقدسـاتهم وحُرماتهم بحجة"الدفاع عن أنفسـهم"، وصد الخطر عنهم، ورد الاعتداء عليهم، وهو الذي يُبادر بالإسـاءة ويُسـابق في الأذى، ويُعجل في الضرر، ويدعي أن الفلسـطينيين هم الذين يخرقون الصمت، ويُبادرون بالقصف، ويعتدون بعمليات القتل والدهـس..!!
المجتمع الدولي يتحمل كامل المسئولية القانونية والأخلاقية عن السياسة المزدوجة التي يتبعها، وعن العمى الذي يُمارسه، والغباء الذي يدعيه، والجريمة التي يرتكبها، وعن دوره في حماية الاحتلال ومنع محاسبته، والحيلولة دون إدانته واستنكار جرائمه، وهو يعلم أنه قاتلٌ ومعتدي، وغاصبٌ ومجرم، وأنه الذي يحرم الفلسطينيين من حقوقهم، ويسلبهم أرواحهم ويُدمر مستقبلهم، وهو الذي يُحاصرهم ويُصادر أرضهم وممتلكاتهم، ويُجردهم من هوياتهم ويطردهم من أماكن إقامتهم، ثم يدعي أنه لا يرى غير "اعتداءات الفلسطينيين على الإسرائيليين"، وكأنه لا يرى أحوالهم، ولا يُقدر ظروفهم، ولا يتفهم معاناتهم، في الوقت الذي يقبل السياسة الإسرائيلية، ويتفهم ردود فعلها، ويُبررها بأنها "دفاعٌ مشروعٌ عن النفس"، ورد فعلٍ طبيعي تقوم به أي حكومة لحماية مواطنيها، بينما يرى نضال الفلسطينيين ومقاومتهم إرهاباً وترويعاً، ومخالفةً للقوانين الدولية والشرائع الإنسانية..!!
من الذي ينبغي أن يغضب من المجتمع الدولي، أهو القاتل المعتدي، الذي يرتكب المجازر والمذابح والموبقات، والذي يلقى كل أشـكال الدعم والمسـاندة والمسـاعدة، والذي يُمارس البطـش والإرهاب باسـم المجتمع الدولي، الذي يُزوده بالمال والسـلاح الفتّاك، والذي يحميـه من الشـجب والاسـتنكار، والذي سـبق لـه أن وافق على تأسـيسـه، وقبِل بوجوده على أرض غيره، وعلى حسـاب شـعبٍ آخر؟؟
أم أن الشعب الفلسطيني هو الأولى بالغضب، والأحق بالاستنكار والعتب، والأجدر برفض السياسة الدولية العوجاء، التي أضرت بمصالحه وأساءت كثيراً إليه، وحرمته من كل حقوقه المشروعة؟؟ فالمجتمع الدولي يغض الطرف عن كل الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني بحقه، ولا يُصغي إليه السمع، ولا يستجيب إلى شكواه، ولا يسمع إلى معاناته، ولا يكترث بما يُلاقي ويواجه، بينما يصحو ضميره، ويستيقظ من سُباته العميق، ويخرج عن صمته الطويل، عندما يرى قطرة دمٍ إسرائيليةٍ مسفوكة، أو صراخاً إسرائيلياً يعلو، ويشعر بكثيرٍ من التأنيب عندما يرى إسرائيليةً تبكي، أو صهيونياً يهرب، أو مستوطناً يولول؟؟!!
واقرأ أيضا:
رحيل تشافيز.. في الفكر السياسي الإسرائيلي!/ صهيونية آيلة للسقوط.! / إسرائيل تسوّق إنسانيتها!/ القوّة وحدها لا تُعيد الهدوء والاستقرار!!/ إخلاء سيناء مطلب (إسرائيلي)!/ الأمل قبل الأمن أولويةٌ إسرائيلية جديدة