لأ لأ ماحدش يفهمني غلط. أنا لا رحت مكتب أمن الدولة ولا اتقرصت في وداني ولا جاني تهديد من جانب أي حد لا سمح الله. إنها الحقيقة العارية البلبوص التي أدركتها بعد سنوات التيه والضياع في بحر إبراهيم عيسى ووائل الإبراشي ومنى الشاذلي ومعتز الدمرداش ومحمود سعد. لقد انجلت الغشاوة من على بصيرتي وها أنا ذا أعلن من منبري هنا من الرياض الحبيبة التي هاجرت إليها باختياري ورغبتي منذ ثلاث سنوات، أنني أتنحى تمامًا ونهائيًا عن الاهتمام بالشأن العام المصري ومتابعة ما يجري على لسان الفضائيات الخاصة والعامة وما تكتبه جرائد المعارضة والمستقلة، وأن أعود إلى صفوف المصريين النابهين أجمع المال واعزل نفسي عن كل ما يدور حولي مثلي مثل أي مصري آخر مقيم في كومباوند مغلق في القطامية هايتس أو أكتوبر والشيخ زايد أو مدينتي والرحاب والقاهرة الجديدة.
لقد اكتشفت أيها الإخوة أننا نحن المصريون المقيمون في الخارج بلهاء وقليلي الذكاء فبدلًا من أن نركز جهودنا في جمع المال والإكثار منه تحسبًا للأيام التي لا يعلم إلا الله كيف ستكون إذا عدنا إلى بلدنا للتقاعد قبل الحصول على باسبور كندي أو أسترالي أو نيوزلندي (لا قدر الله)، بدلًا من ذلك نستغل أوقات الفراغ القليلة في الاهتمام بالشأن العام ورفع الضغط والسكر والكولسترول بالمناقشات العقيمة والبكاء على أحوال مصر واللي جرالها، بينما عندما زرت مصر في إجازتي الأخيرة وجدت المصريين على النقيض التام من ذلك كله، ولربما خضنا في مقال آخر عن سبب اهتمام المغتربين بالوطن أكثر من اللازم، لكن دعوني أصف لكم كيف كان شكل الثمانين مليون داخل الوطن.
هل المصريين بيستعبطوا؟ هل المصريين كهنة وبيدّعوا الفقر؟ آه هما فعلا كهنة وبيستعبطوا لأن السيارات السيراتو ذات المائة ألف جنيه أصبحت السيارة الشعبية الأولى في مصر ويمكن أن تقول بملء فمك أنها أخذت مكان الفيات بأرقامها 128 و127 الهاتشباك. إذا وقفت في شارع الملك فيصل، وهو شارع عشوائي يلعن كل ساكن فيه الساعة التي جعلته يسكن بالقرب منه، إذا وقفت في ذلك الشارع دقيقة واحدة ستمر أمامك على الأقل عشر سيارات سيراتو ما شاء الله تبارك الله. سألت موظف محترم في سوبرماركت بنزينة شل هو أيه حكاية العربية السيراتو في مصر؟ قال لي كل العربيات دي قسط يا بيه، سألته ويا ترى قسطها يعمل كام؟
قال لي: ألفين ألفين ونص، كبرت وهللت الله الله الله كل دول ما شاء الله مرتباتهم بتعدي الست آلاف جنيه وبيدفعوا القسط بسهولة كده قال لي: ده نصهم كمان موظفين في الحكومة!... إذن يبقى كلام أحمد عز وجمال مبارك صح، يبقى فعلًا فيه تنمية في البلد والناس اتزبطت. أمال الناس في مصر بتصرخ ليه لما تلاقي كيلو اللحمة بستين جنيه؟ وما فيش بيت فيكي يا مصر دخلته ما لقيتش فيه لحمة على السفرة!!
التقسيط الآن ملأ بيوت المصريين بأرقي أثاث وأفخم ديكورات وإكسسورات وأحدث أجهزة منزلية والكترونية، وبالطبع ملأ شوارع المصريين بأحدث العربيات على الزيرو، حتى السياحة بقت بالتقسيط، وكل ما أتصل بواحد صاحبي عشان نتقابل اللي يقول لي معلهش مش فاضي أصلي طالع تركيا أعمل شوبنج الأسبوع الجاي، والثاني يقول لي أنا في ماليزيا مع المدام بنجدد شهر العسل، واللي يقول لي أصلي لسه راجع من اسبانيا وهلكان. أما اللي وقته (مش جيبه) مايسمحش يسافر بره بيأجر أسبوع في الساحل، بأعيد وأؤكد إني بأتكلم عن أصحابي أولاد الطبقة المتوسطة، لأن طبقة موظفي الحكومة والقطاع العام "المعدمين" بيصيفوا في أسكندرية ومرسى مطروح. الصدمة الكبرى إن أم عزة اللي ساكنة فوق سطوح بيتنا بقالها ثلاث سنين كل سنة بتصيف في نيو جيرسي عند ابنها المقيم هناك بصورة غير شرعية من سبع سنوات... وبتحكي للجيران إن لولا عزة وأخواتها الصغار لسه في المدارس كانت قعدت في أمريكا على طول!!
بلاش العربيات والعفش والسفر، تعالى نتكلم عن الدروس الخصوصية، أصدقائي وقرايبي بيحلفوا أن أي أسرة لديها 3 أطفال في المدارس الحكومية لن يتكلفوا أقل من عشرة آلاف جنية في السنة دروس، تتضاعف 3 مرات لو إن أحد العيال في الثانوية العامة، ولو العيال في مدارس خاصة عادية تصل مصاريف المدارس مع الدروس لخمسين ألف جنية في السنة، ولو مدارس خاصة أجنبية لن تقل مصاريف الثلاث عيال مع دروسهم عن مائة ألف جنية في السنة، أما الدراسة الجامعية الخاصة والحكومية فحدث ولا حرج فالميزانية مفتوحة بدون سقف. الظريف إن جحافل العيال طوال السنة صيف شتاء رايحة جاية بين المدارس والدروس في سوق تعدى حجمه المليارات (إذا كان اللي بيدخلوا امتحان الثانوية العامة بس 15 مليون عيل!!!)، يا عالم ياهوه المليارات دي كلها بتيجي منين إذا كنتم فقراء؟! مافيش إجابة غير إن المصريين بيستعبطوا وكهنة وبيدّعوا الفقر.
هل المصريين بيستعبطوا؟ هل المصريين كهنة وبيدّعوا الفقر؟ آه هما فعلا كهنة وبيستعبطوا لأن حسب الإحصائيات السعودية فإن أكبر عدد معتمرين في العالم كله يأتي من مصر (أكثر من ستمائة ألف معتمر في السنة) أكثر من دول تعدي مسلميها المائة مليون مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان والهند والصين، وهذا الشعب المؤمن المتدين هو اكبر مستهلك للحشيش في العالم وأكبر مستهلك للمخدرات المستوردة في الشرق الأوسط بحجم تجارة مليارات (أقل بقليل من حجم تجارة الدروس الخصوصية).
هل المصريين بيستعبطوا؟ هل المصريين كهنة وبيدّعوا الفقر؟ آه هما فعلا كهنة وبيستعبطوا لأن الشباب اللي قاعد على القهاوي في الثلاث الطوابق ودي من المناطق الغارقة في العشوائية والعبث وكل الألفاظ اللي نفسك فيها، الشباب دول ما شاء الله تبارك الله لابسين جزم نايكي وساعات سواتش ونضارات شمس أوكسيدو أصلي مش مضروبة، وأنسى الموبايلات فآخر إحصائيات عدد الخطوط اللي نزلتها الثلاث شركات المشغلة في مصر تعني أن المتوسط لكل مصري فوق عمر ستة عشر سنة هو موبايلين!!... أمال أيه حكايات الفقر والبؤس والإضرابات وقلة الأدب اللي قرفونا بيها دي؟
بصراحة كده ومن خلال احتكاكي بكل اللي قابلتهم في مصر من أقارب وأصدقاء ومعارف تيقنت وآمنت أن الناس كلها مزبطة حالها على كافة المستويات وبكافة الطرق سواء حلال أو حرام لأن الحلال والحرام أصبح مصطلح مطاطي في مصر كل واحد بيعمل قانون الحلال والحرام على راحته. وأصبح متوسط الدخل في مصر مقارب للدخل في الخليج، والكلام ده مش اعتباطي والدليل موجود، فإذا كانت أسعار الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ووقود في مصر أعلى (أؤكد مرة أخرى أعلى) من مستوى أسعارها في الخليج بينما مازال المصريين بيأكلوا ويشربوا ويلبسوا ويشتروا سيارات جديدة بل ويسيحوا في بلاد الله فلا بد وان الدخل في مصر مقارب للدخل في الخليج.
أما الفقر فأنا ماشفتش فقراء وإذا كان فيه فقير في مصر فده بسبب غباؤه ليس إلا بدليل إني لما كنت بادور على مكان لركن عربيتي الحقيرة الآفيو في شارع القصر العيني عشان أقضي مصلحة شاور لي شاويش طيب وقاللي تعالى هنا وركنت صف تالت في شارع جانبي قريب من مجلس الشعب. المهم إني قضيت مصلحتي ورجعت لقيت فيه ورقة على زجاج العربية بما يفيد المخالفة مسكتها وبصيت للشاويش وقلتله بقى كده يا حضرة الصول؟! قاللي يا بيه أنا اللي حاططها وانت نازل، انت ماختش بالك ولا ايه؟ طب بص يابيه في الورقة هاتلاقيها مكتوبة بخط اليد مافيش فيها حاجة مطبوعة عشان بس لو عدى الونش ولا حاجة تبقى محمية بالمخالفة، انفجرت في نوبة ضحك هيستيري وقررت أعطيه عشرة جنيه مش عشان كان بيحمي عربيتي لأ عشان ذكاؤه في تزبيط حاله.
إذا كان صاحب العربية الحقيرة اللي هو أنا بيديه عشرة جنيه أمال اللي راكب سيراتو ولا باسات ولا بي أم ولا مرسيدس هايديله كام؟ ألا يجمع هذا الشاويش بنهاية كل يوم ورقة بمائة جنيه على الأقل يعني ألفين ونص في الشهر غير مرتبه الكحيان يبقى يدفع قسط السيراتو ولا لأ؟.... يبقى من حقي أصدق جمال وأحمد وعز ولا لأ يا شعب يا كهين ياللي بتستعبط؟.
والآن سؤال بسيط من العبد الفقير إلى رحمة لله ورضاه؛
هل هذا الكلام لكاتبه طارق عبد المعز صحيح أم خطأ؟
ولو كان صحيحا فما نسبة صحته بالتقريب؟
ولو كان خطأً فما نسبة الخطأ فيه بالتقريب؟
أم للمصريين الشرفاء آراء أخرى؟؟!
أظن الموضوع على درجة كبيرة من الأهمية للجميع!،
لأن بشرى الغنى لكل مصري يعيش بمصر، هي بشرى تسعد
كل المصريين الشرفاء في خارج مصر، وأرجو أن أكون
واحدا من هؤلاء الشرفاء.
في انتظار آراء أهالينا الكرام بمصر
ودام فضلكم دائما أحبتي الكرام..
اقرأ أيضًا:
لبنان.. رحلة الحياة5 / على باب الله: البابا... والذي أسأنا فهمه(1)
التعليق: يا بشمهندس انت رايحلي شارع القصر العيني و شارع الملك فيصل وتقولي عربيات سيراتو ومش عارف إيه ... حضرتك انزل العشوائيات (الدويقة ، بولاق ، بهتيم، ...) وشوف احوال الناس هناك ... وكمان موضوع اللحمة ده ... ما هو فيه لحمة بقرش مستوردة لا يعلم مصدرها الا الله ... ولحمة بقرشين لا يشتريها الا اصحاب الاملاك ... في العموم، واضح إن انت حبيت تريح نفسك من التفكير -وده حقك الطبيعي- فقررت تعمم المسائل وتسطحها