في ظلمة الليل تسلل الحزن إلى حياة زينات ليسرق منها كل ما هو جميل في حياتها حتى أحلامها, لم تترك لها يد الغدر أي جانب من حياتها إلا ودمرته, عبثت بكل تفاصيل حياتها وأحالت نهارها كليلها سوادا أشد من سواد ثيابها, ودموعها أمست موجا يتلوه موج وهمومها سحاب ممطر لا ينقطع وظلمة لا تنقشع, وكأن كل آيات الحزن تنزلت على رأس تلك المسكينة حتى أصبحت تمشي وتبكي بلا هدف, ولا تدرى أي من تلك المصائب أشد إيلاما, هل تندب الزوج أم الأخ, تبكى البيت أم المزرعة, تشتكى آلام الجراح أم آلام الولادة, التشرد أم الدمار, كل ألوان العذاب حلت عليها وفي أن واحد لتأكد القول المأثور أن المصائب لا تأتي إلا مجتمعة.
زينات فلاحة بسيطة كانت تحلم برؤية مولودها الجديد بعد أيام من ذاك التاريخ المشئوم يوم الغزو البربري الصهيوني الأخير على غزة, كانت نائمة بجانب زوجها حينما باغتهم القصف للمنطقة الهادئة التي يسكنونها, فخرجت مذعورة كغيرها من جيرانها وهم عائلة واحدة في الأصل, خرجت تبحث عن إجابة للسؤال الأهم ماذا يحصل؟ وكيف سينتهي هذا الكابوس؟ وماذا ومن سيأخذ الطوفان في وجهه؟
هرب الجميع والتجئوا إلى بيت أحد الأقارب ظنا منهم أنه أكثر الأماكن تحصينا وأمانا ربما لأنه بيت حديث البناء ومن ثلاث طوابق وهم استقروا في الطابق الأرضي, أحاطت بها أخواتها وبعض النسوة الأخريات فلقد عجل القصف والخوف وانقباض القلب ربما بانقباض الرحم, ففاجأها المخاض إلى زاوية المكان, وكلما كانت تشتد أصوات الطائرات كانت زينات تكتم صرخات المخاض وكلما علت أصوات مدافع الدبابات كانت هي تدفع بالمولود ليرى النور وسط ظلمة المكان وظلم الزمان, وقبل أن يطل المولود برأسه أطل الموت بجبروته, وما أن جاءت ساعة الولادة حتى حلت ساعة الوفاة, اختطف الموت زوجها وابنها وأكثر من ثلاثين فردا آخر من أقاربها, ولم يكتفي الدمار بهدم البيوت والمزارع بل طال المدارس والمسجد الجديد الذي لم يكتمل بناؤه بعد, انقطعت كل خطوط الكهرباء والماء والهاتف ولتكتمل العزلة وتشتد حلقات الموت والدمار منعت سيارات الإسعاف من الوصول إليهم فمات عدد آخر من الجرحى والمصابين من الغارة الجوية والهجمة البرية
وهكذا وجدت زينات وحيدة إلا من أحزانها التي لم ولن تفارقها لفترة طويلة من الزمن.
اقرأ أيضاً:
الشهد المر