آنستي الحبيبة عزة.. أشكرك شكرا جزيلا.. لقد كنت طوال سني عمرك القليلة أنيستي, لقد ملأت علي حياتي, بعد أن كنت وحيدة.. لا أنيس ولا جليس كنت أسكن في غرفتي الكبيرة وحدي ويطوي الليل صفحته علي فيحبسني بالنوم وأظل حبيسة إلى أن يحررني النهار مؤقتا, فأغسل وجهي وأتوضأ وأصلي وحدي بعد أن يكون الكبار بصلاة الفجر على وقتها, ثم أربط شرائط من الستان على شعري الغجري والذي كنت أتأوه كثيرا عند محاولات أمي لترويضه.. ليس من الألم, بل من الوحدة.
كنت أضع يدي الصغيرة في يد أبي الكبيرة فتتوه فيها, كان عقلي الصغير لا يعرف ما الذي يفقده.. لكن كان في قلبي فراغا أحس به من أول ما أدخل البيت, وينصرف الكبار إلى بعضهم, وكنت أجري في المنزل الفارغ من الجدار للجدار وآتي بحركات فجائية لربما خبطت جسمي في شيء لأشعر بالونس.
ثم جاء يوم لا أتذكر منه شيئا غير ضيوف كثيرون, وجدتي تطبخ وتغسل ولا تكلمي ماما إنها تعبانة, ولم أرك بعد ولم أسمع عنك ويوم السبوع كنت أحس بأبي وأمي يكادان يطيران من السعادة ولم أعرف سببا لسعادتهم تلك هل هي هذه الحمراء التي بلا شعر وبلا ملامح ولا تستطيع الإتيان بأي حركة من حركاتي. على ماذا تأسر قلوبهما وتملأها بالفرحة؟ وعرفت.. عرفت السر. بعدها بفترة، كنت تنامين معي في الغرفة.. بل على نفس السرير, وكنت ألصق جسدي بالحائط خوفا من أن أؤذي جسدك الضئيل.. ولكني كنت قد أحسست بأنك ملأت بعضا من الفراغ في قلبي.. وبعدها ملأتِ لي غرفتي لعبا ومناغاة.
وبعدها بشهور وربما بسنين أتذكر لك موقفا, كنا نصلي أنا وأنت وأمي, بينما يصلي الوالد في المسجد وانقضت صلاة الجماعة وبينما نصلي السنة إذ قمت بحركة أمامنا.. فأضحكتنا وأفسدت صلاتنا أنا وأمي, فضربتك ماما فبكيت وصرخت وضربت الأرض برجليك, وأنهيت أنا صلاتي مسرعة لآخذك بأحضاني, وأقول بلغة الأطفال التي تحول الراء إلى لام.. أنت زعلت يا جميلة؟ متزعليش.. بس بس ماما ضربتك؟ ماما حماره؟ ماما حماره؟ وضحكنا سويا وقهقهنا للنكتة وأتذكر أن أمي نهرتني بعدها لكن لا أتذكر أني بكيت, تسألي لماذا؟ لقد أصبح لي أخت.. نعم.. نلعب سويا ونتشارك في غرفة واحدة ونؤلف مقالب للكبار, لقد آنست وحدتي يا عزة.
ولم أع ذلك إلا اليوم.. بعدما أتممت عامك الثامن عشر, وأعطيت الفرصة لأقضي معك عاما دراسيا كاملا.. وحدنا لنحضر الجامعة في القاهرة بينما أسرتنا مع الوالد في الخارج. وتعرفت عليك أكثر, وتذكرت كم كنت وحيدة وآنست وحدتي.. وأيضا بعدها بما يقرب من إحدى عشرة سنة, وتكرر نفس الموقف قضيت سنين من الدراسة وحدي في مصر ثم بعدها جئت لتؤنسي وحدتي مرة أخرى. أشكر الله العظيم جدا ثم أشكرك.
واقرأ أيضاً:
يا عيني ع الصبر../ ماذا تعني لك المدونات؟ كهرباااا!/ الأم والابن و............/ ماذا تعني لك المدونات؟عن الصداقة أتحدث/ ماذا تعني لك المدونات؟ شكرا أيها الطبيب!/ ماذا تعنى لك المدونات؟ مشاركة