رأيت في منامي طائرة حربية تنقض على نسر، والنسر ينقض على كلب، والكلب يقفز نحو قطة، والقطة تطارد فأرا، والفأر يحوم حول قطعة جبن، والجبن يحلم بالعودة إلى أصله حليبا، والحليب يحلم بالعودة إلى البقرة والبقرة تلتهم عشبا، والعشب يحلم بالماء، والماء يتبخر في السماء غيوما تلو غيوم، وبين الغيوم طائرة حربية صنعها إنسان يكره الكائنات على الأرض.
رأيت في منامي هيفاء وهبي تغني أغنية وطنية حماسية ملتهبة، فأضحكتني، وصرت أقهقه وأنا في فراشي أتقلب، ثم "أتقلب" لأرى في المنام جوليا بطرس تغني أغنية عاطفية، حنونة، حساسة.. فأضحكت الدموع على خدي.
رأيت في منامي أنني غادرت بلادي نهائيا إلى نيويورك، وأقمت، وحصلت على الجنسية الأمريكية، وبعد وقوفي وإعلان القسم على الدستور الأمريكي، أعادوا إرسالي إلى بلادي السابقة مجندة ببذلة بنية مموهة، مدججة بالسلاح.
رأيت في منامي زعيم عربي، محبوب من الجماهير، والشباب تحت إمرته، يقودهم إلى الحرب واحدا تلو الآخر.. وهم يقبلون يده وهو يقول لهم: "يالا..موتوا من أجلي".. وكانوا يضحكون وهم فرحون به.
رأيت في منامي أنني مطربة حنون، شرسة، والمعجبون يلاحقونني حيثما حللت وأقمت. وأنا لا أوقع على أي أوتوغراف لأنني مطربة متعجرفة ومتكبرة.. ورحت بعدها أتبرع للمجهود الحربي، بآلاف الليترات من دمي النقي. ولأن الفن موجود في دمي، فكل الذين تبرعت لهم صاروا مطربين على الجبهة.
رأيت في منامي بابا يحلم بباب آخر، والنافذة تحلم بأخرى، ورأيت حبيبي يحلم بامرأة أخرى، ورأيت وطني يحلم بشعب آخر. وشعبي يحلم باللقمة.
رأيت فيما رأيت، الثلاجة تصبح غسالة, والتلفزيون يصبح مكواة، والمكانس تطير.
رأيت فيما رأيت، مرآة داخل مرآة، وأراني داخلها نائمة، حيث أرى مناما داخل منام.. داخل منام.
ورأيت فيما رأيت، سيارة إسعاف، تقف أمام مدخل البيت، ينزل منها ناس بسترات بيضاء، اقتحموا غرفتي، أخذوني من سريري في الطريق إلى مستشفى المجانين.
صرخت.. استيقظت من منامي.. لأجدني في سرير أبيض.. ملاءاته بيضاء.. في غرفة موصدة.. ومربوطة بالسرير.
ومن يومها لم أعد أنام.. ولا منام.
واقرأ أيضًا:
لغة الحرب وحرب اللغة/ كيف تصبح مثقفاً؟!/ 70 مليون أمياً فقط