![]() |
شاب وسيم في الثلاثينيات من عمره، جلس أمامي في عيادتي وأخذ يتلعثم وهو يحاول أن ينتقي الكلمات التي يشرح بها حالته، حاولت مساعدته في إبراز شكواه، ذلك أن معظم الكلمات المستخدمة في وصف شكوى المترددين على عيادتي تقع في قاموس (العيب)، وأخيرًا وبعد أن اطمأن وهدأ قال: يا دكتور، أنا متزوج منذ ثمانية أشهر ولم أدخل بعروسي بعد!.
ابتسمت وقلت له: اهدأ ولا تضطرب فقد عالجت رجلاً منذ فترة كان قد تأخَّر عن الدخول بعروسه مدة 7 سنوات (!) لست الأول ولا الأخير، المشكلة تتكرر يوميًا ولكن أريد أن أميّز بعض المسائل عن بعضها. وعندها قال لي: يا دكتور، أنا أحب زوجتي، وقد تزوجتها بعد حب، ولكن بعد الزواج أجدها ترتبك كلما اقتربت منها، بل تصرخ وتتشنج عضلاتها وتهرب بعد أن تدفعني إلى الخلف، وهكذا تتكرر الحالة كلما كررت المحاولة. أنا لا أريد أن أفشي هذا السرّ، فلا أحد من الأهل يعلم عن هذه المشكلة.
هذه الحالة تتكرر في عيادتي شهريًا وهي موجودة عند بعض النساء بحيث لا تسمح العروس لعريسها بالاقتراب وتدفعه للخلف بعد أن تصرخ وتتشنج وتنهار، في البداية بعد أن يحاول العريس محاولتين أو ثلاثة ويفشل فيها نجده ينهار ويصاب بضعف في ثقته بنفسه ظانًا أنه هو السبب، لذلك يحضر إلى العيادة يشكو من "العجز الجنسي ليلة الزفاف"، وبعد الفحص يتبيَّن أن السبب ليس ضعفًا جنسيًا، ولكن عدم تعاون عروسه معه، وبالتمحيص تتضح المشكلة: "حساسية مفرطة في الجهاز التناسلي للمرأة Vaginismus" يؤدي إلى الشعور بالخوف الشديد بل والإحساس بالاختناق والشعور بالهلع كلما تكرّرت المحاولة، وبعد مقابلة العروس عادة ما تعترف بمخاوفها وشعورها بالموت والاختناق عند المحاولة الجنسية، وأنها لا تريد مثل هذه العملية، وأنها تتعذب في كل محاولة، وبعضهن تتوسل إلى الطبيب ليساعدها على الطلاق، للخروج من هذا الامتحان الصعب بل القاتل، بعض السيدات لا يعترفن بسهولة، وخاصة في وجود الأهل الذين يتهمون الرجل بالضعف، ولذلك هي لا تريد الاصطدام معهم فتوافق على ما يقولون وتشارك في اتهام الزوج بالضعف، وهكذا تبدأ المشاجرة والتحدِّي بينهما، وهي تعلم أنها هي السبب في الفشل وليس الزوج، تعلم ذلك ولكن لا تبوح "بالسرّ" لأهلها، هنا يأتي دور الطبيب الذي سرعان ما يكتشف الأمر عند محاولة فحص المرأة؛ إذ إنها تصرخ وتتشنج وتشعر بنفس الشعور، هذا من جانب،
ومن جانب آخر.. هناك بعض السيدات اللاتي يعترفن أنهن سبب المشكلة، وأنهن يحاولن مساعدة الزوج لحلها، البعض منهن ينجحن، خاصة إذا كانت الحالة بسيطة، والأخريات لا يستطعن؛ إذ تخونهن شجاعتهن كل مرة أمام الخوف الشديد والرعب المصاحب للعملية في قرارة نفسها، تريد كل عروس من هؤلاء أن تنتهي الدخلة بسرعة مثل بقية العرائس، ولكنها لا تستطيع بسبب الخوف والألم والرعب.
إذن فالمسألة مسألة لاإرادية، وليس للعروس فيها ذنب كبير، ومن هنا يجب أن نتعامل مع المشكلة بصورة علمية، ومن هنا أيضًا كان لا بد من توضيح مثل هذه الحالات للآباء والأمهات.
تشخيص الحالة: حساسية مفرطة عند لمس الأعضاء التناسلية للمرأة مصاحبة بالشعور بالخوف الشديد والاختناق، بل وحتى الشعور بالموت وانقباض وتشنج في عضلات الجسم، وكذلك دفع لا إرادي للزوج بعيدًا عنها.
هذه المشكلة ليست مشكلة واحدة؛ إنها درجات مختلفة، فمنها حالات بسيطة تستطيع فيها الزوجة أن تتجاوب وتعطي الرجل الفرصة بأن يمارس حقه بالرغم من خوفها، وبالرغم من عدم استجابتها وتمتعها مع الرجل؛ إذ العملية الجنسية لهؤلاء النساء هي واجب من أجل الزوج والأسرة والأولاد، وليس لإشباع شهوة عندها، وقد تتكيف الزوجة مع الوقت للتمتع مع زوجها، ويكون ذلك من خلال المداعبة الخارجية وليس الجماع الحقيقي.
هذا نموذج، ونموذج آخر.. عروس لا تستطيع أن تعطي الفرصة لزوجها بالرغم من حشد كل قواها وصبرها لهذه العملية ولكن ما إن يقترب الزوج حتى تنفجر باكية وصارخة دون أن ينفعها تصبرها ولا تعقلها لطبيعة المشكلة.
الحـلّ: هو أن نعي وجود مثل هذه الحالات، وأنها موجودة بيننا، وأن هذه التصرفات منها ليست مصطنعة، ولكنها لا إرادية، وكذلك إدراك أن هذه العروس تتألم ألمًا شديدًا لما تسببه لعريسها من إرباك وإحساس بالفشل. وكذلك إدراك أن السبب في تأخُّر الرجل في البناء ليس بسبب عجز عنده، بل قد تكون مشكلة حقيقية عند العروس.
هذا ما أريد أن يتفهمه الآباء والأمهات المحيطون بالمشكلة، وبعدها يبدأ الحل الحقيقي بالتفاهم والذهاب إلى الطبيب المختص وبعدها قد يتم حل المشكلة حسب درجة شدتها، وقد لا يستطيع الطبيب حلَّها، وعندها يرجع الدور للتفاهم حول الحياة المستقبلية، وقد يكون آخر الدواء الكيّ وتكون سعادة هذه العروس بالطلاق والعيش بدون زواج، ومن ثم تبرمج وترتب حياتها بطريقة كاملة مليئة بالنشاط والسعادة والفعالية في أوجه خير وفعالية اجتماعية متعددة، وفي نفس الوقت تشعر بالتحرر من التزام لا تستطيع الوفاء به، وأيضًا بعيدة عن آلام هي ليست بحاجة لها، هذه هي أبعاد المشكلة كلها. فلنتعاون في حلّها، وربما نعي أن امرأة كهذه لا تحتاج إلى إلحاح لتزويجها بعد الطلاق أو أسئلة ممن حولها حول سبب الطلاق، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وعلينا أن نحترم خصوصيات الناس ولا ندس أنوفنا في خياراتهم المشروعة في طريقة حياتهم بزعم "الاطمئنان" والرغبة في "المساعدة".
لله في خلقه شئون، وكل ميسر لما خلق له.
واقرأ أيضًا:
العلاقات الزوجية.. أيام الامتحانات / الرجال أيضا يشكون من النساء...!