أبجدية المحبة في شهر ذي الحجة
يصادف هذه الأيام موسم الحج لمكة المكرمة حيث يزورها أكثر من مليون ونصف مسلم. الحج هو رحلة روحية ونفسية ومعنوية لا تقتصر على الدين الإسلامي فحسب، وتتميز بدوام الحركة التي نراها في غاية الوضوح في طواف الحاج حول الكعبة. هذه الحركة الجسدية يصاحبها حركة روحية مستمرة.
يتوجه الإنسان في رحلته تاركاً خلفه أزمات الحياة وأصحابه وبيته وعمله وكل القصص الدرامية التي ألفها طوال عمره. يتخلص الإنسان من مواقف الحياة التي يواجه فيها أسئلة يجيب عليها بهدوء او بغضب أو لا يجيب عليها أحياناً. يخلع الإنسان ثيابه ويلتحف بلباس أبيض لا يميزه عن غيره من البشر، ويخلع أيضاً جميع ما يحمله من أفكارٍ وعواطفٍ لا يعرف كيف يتعامل معها. ما يتعلمه الإنسان في بداية رحلته هو أن البشر سواسية ربما في الدين ولكن الأهم من ذلك هم سواسية في الخليقة. لا تعرف أسماء من يطوف معك أو يصلي بجانبك وتناديه بأخي، وهذه هي الكلمة التي يجب أن تجيد استعمالها بعد رجوعك من رحلتك. تبدأ مجدداً بارتداء ملابس جديدة ومعها روح جديدة تحمل في داخلها احترام البشر بمختلف ألوانهم ومللهم وأديانهم وتتذكر حقوقهم في الحياة والمساواة في العدالة الاجتماعية وأمام العدالة مهما كان مصدر تشريعها. هذه هي رسالة الحب الأولى.
تتوجه للسعي وتركض بين الصفا والمروة. هذا السعي يذكرك بالحرص على حياة من تتولى رعايتهم كما حرصت هاجر(ع) على رعاية إسماعيل (ع). لم تطلب هاجر من ابنها رد الجميل والطاعة الأبدية وإنما وهبت له الحياة والكفاح من أجلها. هذه هي رسالة الحياة التي لا تشمل الأبناء والأقارب والعشيرة وإنما رعاية حياة البشر وحقهم في الحياة. هذه هي رسالة الحب الثانية.
ثم تتوجه بعدها إلى جبل عرفة وتتذكر وهام الإنسان بالتضحية البشرية وحكم السماء بوقف التضحية بالبشر. لا يحتاج الله عز وجل تضحية من البشر صغيرة كانت أم قريبة. لا يحتاج خالق الكون قتل النفس وقتل الآخرين ولا يحتاج وكيلاً له ينشر رسالة السماء. هذه هي رسالة الحب الثالثة.
وبعد ذلك تأتيك وحشة المزدلفة ورحلة الظلام حين يكتشف الإنسان أنه الآن في طريقه ليتخلص من البغضاء والكراهية والحقد الذي في داخله. يتوجه نحو الرمي كرمز لتجريد نفسه من الشيطان الذي في داخله. يتوجه ثانية ليطوف الوداع لماضيه والعودة كإنسان جديد يحمل في حقيبته حروف الحب الجديدة.
الحج ليس رحلة سياحية وصور للمواقع الاجتماعية.
الحج ليس شباك تذاكر للتخلص من الذنوب والدخول إلى الجنة. الحج فريضة لمن يستطيع إليه سبيلا ولكن الفريضة الكبرى في الإسلام هي أن تتعلم أبجدية حب البشرية ورسالة السلام.
وكل عام والجميع بخير.
واقرأ أيضًا:
الحج موسم عالمي / في يوم وقفة الحجيج / التلفزيون التفاعلي في الحج.. رؤية نقدية / اليقظة الذهنية ورابعة العدوية