لم يكن الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام والرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ عملاً منبتاً أو بلا جذور؛ فالهجمـة الغربيـة على الإسـلام والمسـلمين مسـتمرة ومتواصلـة، منذ الحروب الصليبيـة وحتى الآن مروراً بالاستشراق والغزو العسكري والتشويه الثقافي والإعلامي والشيطنة في المناهج الدراسية والصحافة والألعاب الترفيهية وغيرها، وبالتالي فإن قضية هذا الفيلم الوقح يجب أن تُناقش بعيداً عن عقلية الإدانة والعبارات المستهلكة والنفاق المسف!
هذا الفيلم يفتح ملف العلاقات العربية والإسلامية مع الغرب على مصراعيه، لأن نُذر "صراع الحضارات" التي بشَّر بها الغرب نفسه تتلبد في سماء العالم والعالم العربي على وجه الخصوص، وربما يُعبر تصاعد الدخان الأسود من بعض السفارات الأمريكية في العالم العربي عن الحالة السائدة ويُعطي صورة إلى "المستقبل القلق" للعلاقات بين العرب والمسلمين مع الغرب، فالحالة الراهنة متفجرة لأن الغرب، وعلى رأسه أمريكا، يحتل العراق وأفغانستان ويقتل في الصومال واليمن وحاول عرقلة "الثورات العربية" في تونس ومصر، وأفرغ الثورة من مضمونها من اليمن، بل كانت واشنطن على تواصل مع القذافي في ليبيا ولو استطاعت إنقاذه من السقوط لفعلت، وهذا ما كشفته الوثائق الليبية التي استولى عليها الثوار بعد سقوط نظام القذافي، ويأتي بعد ذلك الموقف الأمريكي والغربي المنافق مع الثورة السورية وانتهاجهم إستراتيجية "تدويخ سوريا"... وتحويلها إلى بلد فاشل بالاتفاق مع تركيا التي تمنع تدفق الأسلحة النوعية للثوار.
هذا يعني أن العرب والغرب في حالـة حرب ثقافيـة وعسـكريـة، حتى لو اسـتخدمنا تعابير دبلوماسـيـة أو مصطلحات مراوغـة لوصف الحالـة، وهذا ما أعطى فيلماً تافهاً القدرة على تأجيج النار واندلاع مظاهرات عارمـة في العالم الإسـلامي من شـرقـه إلى غربـه، كتعبير عن حالـة الرفض للارتهان والبقاء في "صندوق المصالح الغربيـة" والتمرد على الاسـتعمار الغربي الخارجي والداخلي للعالم العربي.
القضيـة ليسـت فيلماً عابراً، بل شـرارة تُعبر عن "مكافحـة السـرطان الإسـلامي" كما قال منتج الفيلم اليهودي الذي اتهم الإسـلام "بالنفاق والعنف والقتل"، ويكفي أن نُشـير إلى أن منتج الفيلم الإسـرائيلي وشـريكـه القبطي المصري، وربما تكون الصفتان لنفـس الشـخص، نجحا في "قدح شـرارة المواجهـة" التي ربما تؤدي إلى الإطاحـة بمن تبقى من حلفاء أمريكا في العالم العربي، وخلق وقائع جديدة يخطط لها البعض في الغرب، مع الإدراك العميق للزمن العربي الجديد العصي على التطويع؛ فالجماهير العربيـة الثائرة والمتمردة كسـرت حاجز الخوف ولم تعد تخشـى التعبير عن آرائها ومواقفها بكل قوة!
هذه الحقائق وغيرها أثارها فيلم "محارب الصحراء" المعادي للعرب والإسـلام، الذي ربما اسـتمد اسـمـه من عبارة "عاصفـة الصحراء" وهو الاسـم العملياتي لغزو العراق واحتلالـه مع ما يُثيره من عوامل غضب داخل النفـس العربيـة، وربما أحسـنت صحيفـة (واشـنطن بوسـت) الأمريكيـة الوصف حين قالت: "ما يحدث الآن من عمليات ضد السـفارات الأمريكيـة دمر كل المبادئ والثقـة بالولايات المتحدة الأمريكيـة"، واعتبرتها "خسـارة إسـتراتيجيـة"، كذلك صحيفـة (تلغراف) البريطانيـة التي رأت في مشـهد قذف السـفارات الأمريكيـة بالحجارة أنهم "يرجمون أمريكا والدول الأوروبيـة"، في إشـارة إلى "رجم الشـيطان"، الأمر الذي يكتسـي دلالات خطيرة، لأن الرجم يطال "منارات الحريـة والديمقراطيـة" الغربيـة كما تقول صحيفـة (تلغراف).
ما جاء في هذا الفيلم يتناغم مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر) الذي قال في مقابلة مع صحيفة (ديلي سكيب): "من لا يسـمع طبول الحرب في الشـرق الأوسـط فهو أطرش"، وتحدث عن الحرب العالمية الثالثة وقال إنه "يتوجب على (إسـرائيل) قتل أكبر عدد ممكن من العرب، واحتلال نصف الشـرق الأوسـط واحتلال دول الخليج العربي النفطيـة"، وهي اللحظـة التي وصفها بـ "الانفجار الكبير" والحرب الكبرى التي سـتنتصر فيها أمريكا و(إسـرائيل). مضيفاً أن طبول الحرب تدق الآن في الشـرق الأوسـط وبقوة، ومن لا يسـمعها فهو بكل تأكيد أصم، وإذا سارت الأمور كما ينبغي، فسيكون نصف الشرق الأوسط (لإسرائيل) وستبدأ أمريكا ببناء نظام عالمي جديد ستُديره حكومة واحدة (سوبر باور)، وقد حلمت كثيراً بهذه اللحظة التاريخية."
في أي مرحلة صار مخطط (هنري كيسنجر) وكهنة الحرب في واشنطن وتل أبيب!؟ لا نعرف على وجه التحديد، لكن المؤشرات تدل على أننا أصبحنا في مرحلة متقدمة، وعلينا أن نستعد للمرحلة المقبلة وهي مرحلة خطرة؛ فكهنة الحرب في واشنطن وتل أبيب يريدون أن يورطوا العالم في معركة كبيرة يهدفون من ورائها لاحتلال العالم العربي... إنهم يقودون العالم إلى المعركـة الفاصلـة "هرمجدون"، وهذا الفيلم ما هو إلا محاولـة لجـس النبض ومعرفـة إلى أين وصلت الأمور... إنه ليـس مجرد فيلم مسـيء للإسـلام، إنـه جزء من مخطط أكبر... أكبر بكثير.
23/09/2012
واقرأ أيضًا:
جرى إيه يا ((بابا)) ؟ زعيم عربي تقولش؟!!/ بدلا من الغضب....ردٌّ بالعقول / على باب الله :شفرة دافنشي: الأربعاء16/3/2005 / الرواية القضية.. شفرة دافينشي3