لربما أكون أكثر شخص اطلع على السير الذاتية في العالم سواء عندما كنتُ رئيساً "للجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب" (واتا) من خلال مراسلة واستضافة الأعلام والعُلماء لنشر حوارتهم وسيرهم، أو من خلال الاطلاع على الملفات الشخصية للمسجلين، أو السير التي تصل لأسباب وبمناسبات كثيرة، أو بعد تدشين موقع "مؤسسة عامر العظم للترجمة والتدريب" قبل ثلاث سنوات. كان كل إعلان كفيل بأن يجعل مئات السير الذاتية تنهمر على رأسك المفجور! ناهيك عن مئات الاتصالات والطلبات والسير التي كانت تأتي إليك عبر الهاتف أو الـ (ماسنجر). آلاف السير الذاتية الأخرى لم أستطع أن أطلع لأنها فوق قدراتي الإنسانية وظروف حياتي، أو كانت تصل لمساعدين أو عاملين معي يُتابعونها بأنفسهم.
كانت هذه المراسـلات والاتصالات والسـير التي لا تزال تأتيك تُعبر لك عن حجم القهر والإحباط والمعاناة التي يعيشـها الناس وأصحاب الشـهادات على اختلاف تخصصاتهم ودولهم، الذين يبحثون عن عمل أو فرصـة أفضل مما لديهم من وظائف ورواتب تعيسـة!
عندما كنت، ولا تزال، ترى حجم الاحتياطات والصناديق السـياديـة العربيـة، تقول ما هذا الظلم والإجحاف بحق الإنسـان العربي من المحيط إلى الخليج! وعندما كنت، ولا تزال، ترى عدد المليونيرات العرب وحجم ممتلكاتهم وثرواتهم، تسـأل أين مسـؤولياتهم الأخلاقيـة والاجتماعيـة وهل حقاً يُخرج الزكاة هؤلاء، وأين هي!؟
عندما ترى ميزانيات دول عربيـة ثريـة بعدد أقل من السـكان، ودول عربيـة فقيرة أكثر سـكاناً، وترى الفارق الصارخ، وترى أيضاً كيف تُصرف الأموال ببذخ على مشـاريع باذخـة، تسـأل ألا يسـتطيع هذا الحاكم أو ذاك أن يتبرعوا بعشـرات المليارات للقضاء على الفقر وبناء المشـافي والمدارس والجامعات في الدول العربيـة الأخرى!؟
عندما ترى بعض الدول العربيـة تسـتثمر بالمليارات في دول غير عربيـة من جزر الكاريبي إلى المحيط الهادي ولا تسـتثمر أو تزيد اسـتثماراتها في دول عربيـة أخرى، تسـأل ماذا أفعل يا إلهي!؟
عندما ترى حكومات تشـتري أسـلحـة بعشـرات المليارات، تسـأل ماذا يجري بحق السـماء!؟ أين هي الحرب وهل حُلَّت مشـكلة الفقراء في تلك البلدان!؟
عندما ترى عدد العوانـس في بعض البلدان العربيـة بعشـرات الملايين، تسـأل هل يعرف هؤلاء الحكام حجم الدمار الاجتماعي والاقتصادي الشـامل، وهل يعتقدون أنهم يسـتحقون أن يحكمونا، وهل سـمعوا بعمر بن الخطاب عندما لم يجد فقيراً ليُعطيـه من مال الزكاة، وهل يتوهمون أنهم سـيدخلون الجنـة وأنهم سـيكونون معنا!؟
عندما تقرأ وتسـمع عن نسـب البطالـة في الوطن العربي، تسـأل يا إلهي لماذا لم أُصب بجلطـة قلبيـة أو دماغيـة بعد!
تتحدث مع مئات من دول عربيـة شـتى، تشـعر بالبؤس والحرمان الذي يعيشـه الإنسـان العربي، تسـأل نفسـك كثيراً، هل نحن أمـة الإسـلام حقاً! هل نحن أمـة رحيمـة! هل نسـتحق الحياة حقاً!
عندما تسـأل لماذا هؤلاء المُحبطون اليائسـون العرب صامتين خائفين، لا تعرف السـبب!!!
تسأل نفسك ماذا لو أرسلت نسخة من مقالي هذا لمئات آلاف العقول ورجال الأعمال والشركات العربية، فكيف ستكون ردة فعلهم أم أنهم لا يقرأون ولا يشعرون ولا يستوعبون!
تطلب من ربك دائماً أن تموت شاباً عزيزاً رحمة بك من الأصنام والتنابل والهياكل، ولعل الله يرحمك قبل أن تزيد سيئاتك ومتاعبك، لكنك لا تستطيع حتى كتابة هذه السطور!