الصدمة لم تكن في حجم التزوير الفج والفاضح، حتى لو كان بحجم هزيمة يونيو العسكرية عام 1967 كما وصفها لـ"المصريون" البدري فرغلي.. الصدمة الحقيقية كانت في هذه الجلافة في التعاطي مع أحكام القضاء!.
شيء لا يصدق إن لم يكن من غرائب الدنيا، أن يصدر 1300 حكم قضائي بشأن الانتخابات، منها 300 حكم بات ونهائي ولا تقبل منها جهة إدارية "اللجنة العامة للانتخابات" إلا 15 حكما فقط!.. إنها "إهانة" حقيقية ليس فقط للقضاء المصري وإنما لما تبقى لمصر من كرامة.
الكل يحفظ عن ظهر قلب مقولة الزعيم البريطاني الأسطوري "تشرشل": "لأن تهزم بريطانيا في الحرب خير لها من أن يذكر التاريخ بأن تشرشل لم ينفذ حكما قضائيا".. ولعل الدهشة تأخذنا كل مأخذ، إذا علمنا أن الحكم الذي تحدث عنه تشرشل كان يتعلق بشكوى مواطن بريطاني للمحكمة بأنه يشعر بالانزعاج وقلة الراحة من أصوات الطائرات الحربية البريطانية التي كانت تهبط وتنطلق من مطار عسكري قريب من بيته، أثناء الحرب العالمية الثانية.. فقضت المحكمة لصالحه!
المستشار أحمد مكي قال لـ"المصريون" إن عدم احترام أحكام القضاء يقضى على مفهوم الدولة ذاتها.. الفقيه الدستوري إبراهيم درويش قال للزميل جابر القرموطي: في مصر الحكومة والأفراد العاديين وأيضا اللجنة العليا للانتخابات لا تحترم أحكام القضاء!
منذ تعليق جريدة الشعب بقرار إداري من مجلس الشورى في مايو عام 2000، حصلت الصحيفة على 14 حكما قضائيا بعودتها، كانت الحكومة تتصرف حيالها ـ في كل مرة ـ مثل الزوج قليل الدين والأخلاق الذي يهرب من قضايا النفقة بالاستشكال أمام دوائر غير مختصة!!
منذ شهور قليلة، خالفت القيادة السياسية حكما قضائيا، وأعادت "مدينتي" إلى هشام طلعت مصطفى مجددا رغم ما تضمنته حيثيات الحكم من تفاصيل تشير إلى وجود فساد مروع ومفزع في بنود عقود البيع!
في مايو عام 2006، سحلت الشرطة القاضي محمود حمزة في شارع "شامبليون" بعد اختطافه من أمام نادي القضاة وحبسته في مقر محافظة القاهرة.. وأثناء تلك الأزمة اتصل بي القاضي المعتدى عليه المستشار حمزة، وقال لي إنه لن يتحدث معي في تفاصيل كثيرة لأنه "مراقب"!
لن نتحدث هنا عن إهانة القاضي الشريف المستشار وليد الشافعي الذي اعتدى عليه ضابط مباحث البدرشين واعتقله داخل اللجنة عقابا له على منع التزوير، لكننا نتحدث عن هذا الإذلال الجماعي للقضاء المصري، والذي تجسد في إهانة 1200 حكم قضائي والاستعلاء عليها والتعاطي معها وكأنها محض ورق لا قيمة له!
أتمنى من قضاة مصر، ومن المؤسسات التي تمثلهم ولا سيما مجلس القضاء الأعلى أن يدافع عن هيبة قضاته وعن حجية الأحكام التي يصدرونها، وإن لم يكن من أجل ما تبقى للبلد من كرامة، فليكن من أجل كرامتهم.
اقرأ أيضاً:
اغتيال الحرية (2)/ نتائج انتخابات الرئاسة سنة 2011 وتوقعات 2017/ مزيد من الخيال، ومراجعة في نتائج انتخابات الرئاسة