يا قادماً بالتقى في عينك الحب *** طال اشتياقي فكم يهفو لكم قلب
صبرت عاماً أُمنّي قـرب عودتكم *** نفسي فهل يدنو لكـــم بها سِرب
قل هل لقيتكموا تخضـــر عامرنا *** والله أكــــــرمنا إذ جــاءنا الخـــصب
ففيكـــم يــرتقي الأبــــرار منزلة *** والخاملون كسالى زرعهم جـــدب
يا من إليه القلب يهفوا وبه تسعد النفس..
فارقتنا ودموع الحزن في المقل أتيتنا والشوق يحدوه الأمل..
يا حبيباً فيك الخير والزرع...
أيها الغالي؛
كنت فينا عامنا الماضي ما لبثت وأعلنت الرحيل..!
ودّعناك بدموع الحزن وحال نفوسنا تقول
على رسلك أيها الحبيب فما زالت قلوبنا تشتاق وأرواحنا تعانق لقياك
والروح لك تهفو وتطرب لذكراك، هل سندركك أم سنكون في عداد من رحل!
لكن لا جدوى فقد أعلنت ساعة الرحيل..
أحبتي في الله...
ما هي إلا أيامٌ معدودات ونستقبل ضيفاً عزيزاً.. ماذا أعددنا له وكيف نستقبله!
لو علمنا بقدوم ضيف غالٍ عزيزٍ على قلوبنا ما كنا نصنع؟ لا شك أننا سنعدّ له كل ما يبهج قلبه!
فكيف بنا إخوتي بهذا الضيف الغالي الذي إن آتانا هذا العام فربما لا ندركه العام المقبل.
قال عنه النبي صلّى الله عليه وسلّم (لو يعلم الناس ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها)، كيف لا وهو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد الشياطين، وفيه ليلة خير من الدنيا وما فيها.
شهر رمضان ليس له مثل في سائر الشهور ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة في سائر الدهور؛ الذنب فيه مغفور، والسعي فيه مشكور، للمؤمن فيه حبور والشيطان البعد والثبور، والوزر فيه مهجور، وقلب المؤمن بذكر الله معمور. وقد أناخ بفنائكم وهو عن قليل راحل عنكم شاهد لكم وعليكم، ماذا كنتم تصنعون؟!
إخواني...
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إن في الجنة باباً يقال له باب الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون منه، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد) صحيح.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
(ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً) رواه البخاري، أي أجر تنتظر أعظم من هذا؟ أين همتك أيها المسلم/ أيتها المسلمة؟.
كان نبينا الكريم عليه صلوات ربي وسلامه يشد المئزر ويتفرغ لعبادة ربه، وكل أيامه كانت عبادة، كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكانت غزواته وانتصاراته أغلبها في رمضان صلّى الله عليه وسلّم.
ولننظر إلى من سبق كيف كانت هممهم عند قدوم شهرنا العظيم، لقد عرفوا الصيام فأحبوا رمضان واجتهدوا وبذلوا نفوسهم فيه، وجعلوا من ليلهم قياماً وركوعاً، ودموعاً وخشوعاً، وجعلوا من نهاره فكراً وتلاوةً ودعوة ونصحاً. عرفوا الصيام قرة عين وراحة نفس وانشراح صدر، فهذبوا أنفسهم وزكوا قلوبهم بتعاليمه، فقهوا أمر دينهم، وأدركوا حقيقة الدنيا، وتدبروا أمر الآخرة، فاستنهضت هممهم.. وعلت غاياتهم، وسمى هدفهم فصار الفردوس الأعلى والجوار الأقرب للنبي، حتى عزموا أن يزاحموا أصحابه عليه، فقد ذكر أن أبو مسلم لخولاني –رحمة الله– قال "أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم خلفوا ورائهم رجالاَ"!.. هؤلاء هم الرجال، هم من علت نفوسهم عن الرذائل، أجسامهم في التراب وهممهم في السماء.. رجال "صدقوا ما عاهدو الله عليه".
وروي عن الحسن البصري مرّ بقوم يضحكون فوقف عليهم وقال: إن الله تعالى قد جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته، فسبق أقواماً ففازوا وتخلف أقواماً فخابوا، فالعجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه الباطلون، أما والله لو كشف الغطاء لاشتعل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فكونوا أحبتي ممن يستبقون للخيرات ولا نرضى أن يسبقنا إلى الله أحد، وأقبلوا على الخير تفوزوا بسرور دائم.
فقد قال الله تعالى {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران133)
لنسارع أحبتي بمحاسبة أنفسنا في كل أعمالنا، ولنتب إلى الله توبة نصوحة، فقد قال الله عزّ وجلّ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر53
وقال النبي –صلّى الله وعليه وسلّم–: "كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابين"
رمضان ينادينا ويقول {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الأحقاف31
فسارعوا ولبوا نداء ربكم، وطوبى لمن أجاب وأصاب، وويل لمن طرد عن الباب، ألا يكفينا قوله تعالى (الصوم لي وأنا أجزي به)! بلى والله، البدار البدار أحبتي ليوم تشخص فيه الأبصار..
قال جلّ وعلا {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (الذاريات 50). فهيا بنا أحبتي نفرّ إلى الله لعلنا نسرعنا الخطى، وندرك أول ليلة من رمضان ونحن من المقربين فيغفر لنا فتعتق رقابنا من النار.
رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح هذا أوان تبتل وصـــلاح
واغنم ثواب صيامه وقيامه تسعد بخير دائم وفلاح
إخوتي في الله، هنيئاً لمن أطاع الملك الرّحمن في شهر الجود والإحسان، لقد فازوا بالحور والولدان في دار السلام والرضوان، صبروا الأيام القليلة فأعقبهم الراحة الطويلة فهنئاً لهم...
اللهم بلّغنا رمضان وارزقنا صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً
اللهم وفقنا فيه لفعل الطاعات ووفقنا فيه لترك المنكرات
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
وصلّى الله وسلّم وبارك على محمد وصحبه
دعواتكم لي أن يوفقني الله لاستغلال رمضان كما يحب الله ويرضى
اقرأ أيضاً:
القادم المنتظر/ معلومة تهمك في رمضان/ كيف نستفيد من رمضان/ على باب الله: رمضان العهد والوفاء/ يوميات رحاب: رمضان الزاد والميعاد/ على باب الله نعمة رمضان30/9/2006