وأنا أبيع أول دبوس "ضد الفساد" سألوني "لو لبسنا دبوس ضد الفساد يعتقلونا؟" وتمر سنة وأنا ألبسه في كل مكان على الشاشة وعلى البحر.. في الصحراء وفي المظاهرة، على سلم النقابة وفي العزاءات والأفراح... في مصر وخارج مصر.. لبنان الأخضر على رأي فيروز، هذا البلد الصغير هو حكاية حب غريبة، يصعب على الإنسان فهم كل أسبابها وأسرارها، لبنان أخضر ليس فقط بجباله وأرضه، ولكن بقلوب اللبنانيين. عندما نزلت من بيتي متوجهة إلى المطار لأسافر إلى بيروت، استعجبت من نفسي وأنا أضع دبوس ضد الفساد على صدري مثلما اعتدت وضحكت لأن نيتي كانت أن أتحرر من كل شيء لبعض الوقت، وقلت لنفسي إن هذا الدبوس أصبح جزءا من معتقداتي لا غنى عنه، لا أستطيع الخروج من باب بيتي بدونه، حتى ولو كان خروجا إلى حين من بلدي الحبيب مصر، وضحكت عندما خطر على بالي أن هذا الدبوس أصبح حجابي، وقلت لنفسي، وماله!
وفي بيروت توقعت أن يثير دبوسي استعجاب وتساؤلات من معارفي وممن سأقابلهم من اللبنانيين. ولسعادتي خابت توقعاتي وكأني لم أغادر بيتنا ولا شارعنا، كان التساؤل الوحيد الذي واجهني هو عن سعر الدبوس وكيفية الحصول عليه؟ وبين طيات حقيبة يدي أخرجت المخزون الذي لا يفارقني وأنا أبتسم وأشعر ببعض الاستغراب!. وكان أطرف حوار مع بائع لبناني سألني عن الدبوس وأي نوع من الفساد عندما كنت أدفع فاتورتي على الخزينة وانتهى بنا الحديث إلى رجاء بأن أطيل مدة إقامتي معهم حتى أنشئ فرعا لضد الفساد ببيروت وكذلك السائق الشيعي الذي بدأ بمناوشتي متسائلا "مش حتفتحوا المعبر يا أستاذة" وإجابتي بأننا لا نعيش يا صديقي في دولة ديمقراطية انتخاباتها نظيفة يؤمن فيها حكامنا بأن وجودهم على مقاعدهم مربوط بتحقيق آمالنا وطموحاتنا.. فهم لم يجيئوا أصلا بأصواتنا وكلمته عن نشاطي في محاربة الفساد في مصر وحدثني عن دوره في حرب تموز2006 كمقاتل ببلدة عيترون وأن له أخوين استشهدا بالمعركة وعند وصولي أخبرني كم كان يريد أن لا يأخذ مني مالا ولكن.... فأكملت "هذا أكل عيشك يا أخي".
أما صديقتي ضحى شمس الصحفية بجريدة الأخبار اللبنانية وهي معروفة بحماستها وتلميحاتها الساخرة، اللاذعة أحيانا فقد بادرتني بعد أن ضايفتني بالقهوة المغلية بكام تريقة مبقوقة ثم غادرتها وأنا أعطيها ما كان بحوزتي من دبابيس "ضد الفساد" وأعلق على بزتها الصوفية واحد.. وأعود إلى القاهرة محملة بطاقة لمزيد من الإنجاز فنعمل على تطوير الموقع الالكتروني ونحضر لصفحة "نضافة دوت أورج".. دعواتكم..
وتقول لي صديقتي سنضاعف جهودنا وسأرتدي الدبوس مثلك في كل مكان فأجيبها بأنها متعة وإدمان سيتحول إلى التزام كالطرحة التي تضعينها على رأسك تماما.. لم يكن لدي خطط أو توقع لكل هذا، ولكن بصراحة أحسست بالإنجاز. الفكرة تصل إلى القلوب الخضراء الجميلة، ويتم احتضانها. ففي النهاية، الجمال يستشري بسرعة، شرط أن نؤمن به، وأن نحمله على صدورنا وفي قلوبنا دون أن نشعر بالخوف أو بالحرج وكأنه الدبوس الذي لا نستطيع الخروج للناس بدونه. أحب لبنان، وأكثر ما أحببته فيها أني رأيت في العيون اللبنانية، وفي القلوب الخضراء حكاية حب جميلة.. حب مصر أم الدنيا الذي كثيرا ما يحتاج إلى غرفة الإنعاش تحت وطأة معابر رفح القاهرية المسماة باللجان المرورية.
اقرأ أيضاً:
بيروت تاني/ كيف ننقد أولادنا من مشاهد القتل؟