يكشف الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي في هذا الحوار، أن الفقر المجتمعي حوّل الشباب المصري إلي قنابل موقوتة، وأن الحصول على رغيف الخبز أثر بالسلب على صحة المواطن المصري النفسية، وأن هناك 3 آلاف منتحر سنويا في مصر من سن الشباب في حين يتجاوز عدد مرضى الفصام 850 ألف مريض.
ويؤكد أن المخدرات هي أكبر أوجاع الأسرة المصرية حيث أثبتت الدراسات أن المصريين ينفقون 25 مليار جنيه سنويا عليها، وأن سبب انتشارها بين الشباب تحديداً راجع للفراغ والبطالة التي يعانون منها، ويشدد على أن موت النظام التعليمي في مصر هو نتيجة حتمية لحال المجتمع الذي تأثر بالسلب باستقرار نظام الحكم لمدة طويلة.
ويؤرخ لاختفاء النخوة والرجولة من الشارع بحربي 1967 و1973 حيث فقد المصريون هدفهم خصوصا مع وعود التطوير التي لم تنجز، ويلفت إلى وقوع حالة طلاق كل 6 دقائق بمعدل 240 حالة يوميا يكون 52% من أسبابها راجعاً لتدخلات الأهل و42% منها لأسباب مادية في حين أن 12% فقط منها بسبب سلوك الزوجين.
ويؤكد الاستشاري النفسي أن قانون الصحة النفسية الجديد أسوأ من سابقه بكثير، وأن ميزانية الصحة النفسية في مصر تعادل 1% فقط من مخصصات وزارة الصحة، ففي حين تحتاج مصر إلى 280 ألف سرير علاجي للمرضى النفسيين في مستشفياتها، فالواقع أنه لا يوجد سوى 7200 سرير فقط في المستشفيات العامة والخاصة معاً، وما يضاعف خطورة هذا أن نعرف أن 80% من المرضي النفسيين في مصر من الشباب.
* كيف أثرت التغييرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية على حياة المصريين في السنوات الأخيرة؟
أثرت تأثيرا سلبيا على حياة المصريين بحيث صارت الرشوة، والفساد الأخلاقي والتحرش بصوره المختلفة هي أجزاء من سمات الشارع المصري واختفت من الشارع المصري الرجولة والنخوة والحميمية.
* ولماذا اختفت الرجولة والنخوة في الشارع؟
لا يمكن الكلام عن أسبابها بدون ربطها بالتاريخ الذي بدأت تختفي فيه، حيث ظهرت مع 1967 أي بعد الهزيمة في الحرب لأنه حدث نوع من التفكك الاجتماعي وفقدان الهوية وبعد انتصار 1973 حدث نوع من النشوة والفرح لكنها نشوة لم تستمر كثيراً خصوصا بعدما أطلقت الحكومة سيلا من الوعود حول التطوير والتغيير والتحديث وهي الوعود التي لم تتحقق فأصيب المصريون بفقدان الغاية والهدف وترتب عليه كل هذا.
* في المقابل أثر ثبات النظام السياسي واستقرار نظام الحكم على المصريين؟!
نعم أثر ولكنه كان تأثيرا سلبيا كذلك لأن النظام المصري يعتمد في معاملة الجميع على أنهم أطفال قصر لا يحق لهم التفكير وإبداء الرأي، وهو نظام أبوي يصدر الأوامر ويجب على الجميع أن ينفذ دون تفكير ولهذا أثر سيئ على الشخصية المصرية
* وماذا عن السلوكيات والثقافات التي لم تكن موجود من قبل؟
نشهد الآن بعض العادات والسلوكيات الجديدة علينا والتي صارت منتشرة بيننا بسبب التأثر بالغرب مثل فقدان الشباب الهدف وأصبح الواحد منا بشكل عام لا يثق في نفسه أو في أهله أو صديقه مع غياب شبه تام لدور الأسرة المتمثل في الأب والأم.
* ظهرت حوادث تحرش جنسي جماعي أكثر من مرة في العامين الماضيين، فما أسباب ذلك؟
فتش وراء حوادث التحرش الجنسي الجماعي عن فقدان الأسرة دورها وهذا واضح بعدما انشغل الأب والأم في الحصول على لقمة العيش وبالتالي أهملوا في تربية أطفالهما الذين صاروا مراهقين وعموما فالشباب في مصر فقراء يعيشون عصر العولمة والإنترنت والفضائيات وغيرها من معطيات العصر الحديث وكلها أثرت بالسلب في الشخصية لدرجة أن أصبح المراهقون قنابل موقوتة.
* ترصد الإحصائيات ارتفاع نسبة الطلاق في السنة الأولي من الزواج. فلم؟
تشير الدراسات إلى حدوث حالة طلاق كل 6 دقائق بما يعني أنه لدينا 10 مطلقات في كل ساعة، وهو ما رفع عدد المطلقات إلي 2 مليون مطلقة وهناك 90 ألف حالة زواج تفشل كل عام ومع كل طلعة شمس تطلق 240 امرأة ومن بين كل 100 حالة زواج تتم في القاهرة تفشل منها 33 حالة ونسبة الطلاق تزيد بنسبة 3% سنوياً، وتؤكد دراسات قسم الاجتماع في جامعة عين شمس أن 42% من حالات الطلاق تحدث بسبب العوامل المادية والاقتصادية و52% تحدث بسبب تدخل الأهل و12% بسبب السلوك الشخصي بين الزوجين، أما قبل الزواج فتتمثل الأسباب في عدم القدرة على توفير مكان سكن وارتفاع تكاليف الزواج وتطلعات الزوجة للارتباط بزوج آخر «غني» وحدوث خلافات بسبب ترتيب ونفقات حفل الزواج.
* لكن في مقابل ذلك زادت نسبة الزواج العرفي؟
دعني أوضح أن الزواج العرفي ليس مقصوراً علي الطلاب فحسب بل يشمل الموظفين أيضا وهو منتشر بقوة للظروف الاقتصادية التي رفعت سن الزواج وانتشار الفساد الأخلاقي في المجتمع وغياب دور الرقابة في الأسرة ولقد اعترفت 23% من المتزوجات عرفيا بأن السبب هو الحفاظ على المعاش وتؤكد إحصائية أن 17% من طلاب الجامعات متزوجون عرفياً وذلك من أجل إشباع الرغبة الجنسية.
* لماذا أصبحت حوادث طلاب المدارس بابا ثابتا في صفحات الحوادث في الجرائد؟
موت النظام التعليمي في مصر هو محصلة حتمية لحال المجتمع فارتفاع نسبة النجاح في الثانونية العامة بسبب اتباع نظام الحفظ دون الفهم وانتشار العنف المدرسي بسبب التأثر بالسلوكيات الشاذة المنتشرة في مجتمعنا في السنوات الأخيرة وطلاب المدارس هم ضحاياً للثقافة الخطأ المنتشرة في مصر أستشهد هنا بدراسة للدكتور أحمد زايد عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة والتي أكدت أن 30% من طلاب المدارس في مصر مارسوا أشد أنواع العنف وأن 80% من صور العنف المدرسي تقع بين تلميذين و64% بين «الشلل».
* لماذا انتشرت الأمراض النفسية في مصر مؤخراً؟
لأسباب كثيرة منها الضغوط الحياتية على المواطنين مثل عدم القدرة على العلاج وتحقيق أبسط أحلامهم وحتى الحصول على رغيف العيش كل هذه الأشياء أثرت بالسلب على نفسية المواطن المصري.
* وهل توجد نسبة لانتشار المرض النفسي في مصر؟
لا توجد إحصائيات دقيقة نستطيع من خلالها معرفة حجم المرض النفسي ولكن الدراسات العالمية تشير إلى وجود أكثر من 5.1% من المصريين يعانون من مرض الفصام هو ما يعادل 850 ألف مصري وهذا الرقم لا يعبر عن الواقع الفعلي لحجم انتشار المرض ويمكن معرفة مدى انتشار المرض من خلال النظر في أوجه المصريين في الشارع نجدهم فقدوا الأمل والابتسامة.
* والاكتئاب؟
تقدر منظمة الصحة العالمية عدد مرضى الاكتئاب بحوالي «150» مليون شخص على مستوى العالم وبذلك يصبح المرض الرابع عالمياً وفي دول العالم الثالث يصيب الاكتئاب 20% من السكان وفي الدول المتقدمة 10% ويوجد في مصر حوالي 16 مليون مريض.
* لماذا يفكر المصريون في الانتحار؟
اليأس أهم أسباب التي تدفع المصريين للانتحار وتشير التقرير إلى وجود 3 آلاف حالة انتحار لأشخاص لم يتعد عمرهم 40 عاماً وتزيد حالة الانتحار في الأحياء الشعبية عن طريق الحريق أو السقوط من ارتفاع وذلك بسبب ضيق الحال والبطالة وعدم قدرتهم على توفير أبسط أنواع الحياة الكريمة. وأهم حافز للانتحار هو الألم النفسي الذي لا يطاق.
* ولماذا انتشرت المخدرات بين الشباب؟
السبب الرئيسي في ذلك هو الفراغ وتلعب البطالة دوراً مهماً في ذلك لأن الشاب عموما يكون عرضة للتأثر بالآخرين وهو يحاول الهرب من المشاكل التي يواجهها عند طريقة المخدرات.
* هل صارت المخدرات أكبر أوجاع المصريين؟
نعم تمثل المخدرات الوجع الأكبر للأسر المصرية حيث ينفق المصريون نحو 25 مليار جنيه سنويا على المخدرات وأصبح المجتمع المصري يفرز عدداً لا حصر له من «الأحداث» وأصبح الإدمان وحشا خطرًا يهدد السلام والأمن الاجتماعي ويتسبب الإدمان في ارتكاب العديد من الجرائم مثل السرقة والقتل وانتشار الاغتصاب.
* هل يقتصر إدمان المخدرات على طبقة اجتماعية محددة؟
لا، فالإدمان منتشر في كل الطبقات المصرية ابتداء من الطبقة العليا التي يدمن الشباب فيها الهيروين والمتوسطة حيث يدخنون الحشيش والأفيون والطبقة الفقيرة ينتشر فيها البانجو لرخص سعره.
* ما دور التربية في انتشار المخدرات؟
يلجأ بعض الآباء إلى فرض حماية زائدة، على الأبناء ويلغي بذلك شخصية الابن مما يدفعه عن طريق أصدقاء السوء إلى تعاطي المخدرات التي غالباً تبدأ بالسجائر وتنتهي بالمخدرات بالإضافة إلى التربية غير المسئولة حين يعطي أب لابنه الحرية المطلقة بدون حساب أو عقاب.
* هل يملك المصريون ثقافة جنسية؟
لا يعرف المصريون الثقافة الجنسية بل يفخر معظم الرجال المصريين بفحولتهم وادعاء أنها خاصة ولها شهرة عالمية ولا تخلو أحاديثهم عن الجنس ويستخدمون القوى البالغة أثناء ممارسة الجنس وللأسف لقد انقلب هذه لأحاديث خلال السنوات الماضية وأصبحوا يتحدثون عن الضعف والفشل والقصور.
* ما أسباب ذلك؟
في المؤتمر السنوي التاسع والثلاثين لجراحي المسالك البولية أثبت الدكتور إسماعيل خلف من خلال دراسة أجراها على ألف رجل مصري ممن تخطوا سن الأربعين من المترددين على المستشفيات يعانون من اضطراب جنسي في صورة «فشل أو عجز» وأثبت أن ذلك يرجع لانتشار تضخم البروستاتا الذي يرتفع عند المصريين بالإضافة إلى تلوث الماء والهواء والمبيدات المسرطنة والتدخين والاحصائيات تقول إن المصريين أنفقوا 400 مليون جنيه على العقاقير والمنشطات الجنسية في 2007 في الوقت الذي يضع المواطن يده على قلبه خوفا من رفع الدعم عن رغيف الخبز.
* هل يؤدي الفشل الجنسي للإصابة بالأمراض النفسية؟
لاشك في أن الفشل الجنسي يعد من أهم أسباب الأمراض النفسية ومعظم المرضي النفسيين يخافون من انفصال الزوجة أو خيانتها بأي شكل فيصاب الزوج بأمراض نفسية من الوساوس والهواجس والقلق الشديد.
* هل لدينا عدد كاف من الأطباء النفسيين؟
لا، فعدد الأطباء النفسيين في مصر محدود جداً وتصل نسبتهم تقريبا إلي طبيب لكل 5000 نسمة ويعمل نصفهم في الدول العربية في حين أن المعدل العالمي هو طبيب لكل 300 فرد.
* كم تبلغ نسبة الذي يتلقون علاجا نفسيا؟
يذهب 30% من الحالات التي تحتاج للعلاج إلى أطباء نفسيين يتجه نصفهم إلى أطباء غير متخصصين وهذا يعكس تدني الوعي الصحي لدى المصريين وخاصة بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي لا تذهب إلى أطباء وتفضل الذهاب إلى الصيدليات مباشرة وصرف أدوية بدون استشارة أطباء.
* هل تكفي الميزانية المخصصة للصحة النفسية؟ والمستشفيات؟
لا فهي ميزانية متدنية جداً تكاد لا تذكر بالنسبة لميزانية الصحة حيث بشكل عام تقدر بأقل من 1% ولا يوجد سوى 4 مستشفيات فقط تضم حوالي 6000 سرير ويضم القطاع الخاص حوالي 1000 سرير والجامعات 200 سرير. في حين نحتاج إلى حوالي 280 ألف سرير
* ما أكثر الفئات التي تصاب بالمرض النفسي؟
الشباب هم الأكثر إصابة بأمراض نفسية حيث تمثل نسبتهم نحو 70 إلى 80% من إجمالي المرضى.
* كيف ترى قانون الصحة النفسية الجديد؟
قانون سيئ للغاية والقانون الحالي هو أفضل والقانون الجديد يعاقب الطب والتمريض بالحبس وهو يهدف إلى إخراج المرضى من المستشفيات لكي يتلقوا العلاج في منازلهم وهذا القانون تم «سلقه» بدون دراسة حقيقية من خلال أطباء وخبراء الطب النفسي.
* لماذا لا يمارس المصريون السياسة؟ وكيف يؤثر ذلك عليهم؟
لوجود مفهوم خاطئ للسياسة يجعلها مقصورة على الحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين وهذا خلاف للواقع بالإضافة إلى أن المصريين يتجنبون المشاركة في السياسة خوفاً من بطش النظام الذي يضرب بيد من حديد على معارضيه ومن يخالف تعاليمه وذلك يؤثر بالقطع في المواطن المصري حيث يضعه في عزلة سياسية بعيدة عن النظام وبالتالي يفقد الإنسان شعوره بالانتماء للبلد.
* ما تأثير القرارات السياسية العشوائية للحكومة على الشعب المصري؟
للقرارات العشوائية آثار سلبية واضحة علي نفسية المصريين مثل قرار تقسيم المحافظات وقرار نقل تمثال رمسيس وغيرها من القرارات وهي تهدف إلي إشغال الرأي العام بموضوعات بعيدة عن الواقع وبذلك تهدر الحكومة عن عمد حقوق المصريين في المعرفة والقرار العشوائي دليل علي أن النظام عشوائي يتصرف بلا حساب للمستقبل.
* كيف تري تأثير مد العمل بقانون الطوارئ علي الشعب؟
التأثير قد يكون معدوماً لأن معظم الشعب مشغول بأكل العيش وليس مهتما بالسياسة وذلك بفضل النظام الذي استطاع طوال السنوات الماضية أن يجعل الشعب يقنع بأي شيء.
* هل فقد الشعب المصري القدرة علي الثورة؟
لا يستطيع أحد أن يعرف أو يتنبأ بماذا يفكر المصريون لكن الثابت أنه بعد عهد الانحطاط والتدهور تحدث النهضة والتقدم ويوجد سوابق تاريخية على ذلك فمثلا أيام المماليك كان الفساد منتشرا حتى جاء عهد محمد علي الذي شهدت مصر أعظم فترات التقدم والتطوير وما حدث في إضراب 6 أبريل دليل على أن الشعب بدأ يفكر في التغيير وشباب الفيس بوك هم قادة التغيير.
* بالتالي هل تعتقد أن ثقافة العصيان المدني موجودة في مصر؟
لا نستطيع أن نقول توجد ثقافة عصيان مدني كاملة في مصر ولكن موظفي الضرائب العقارية وانتفاضة عمال المحلة دليل على بداية هذه الثقافة وقريبا سوف يعلن الشعب انتفاضة عامة.
* ما علاقة الأحزاب السياسية بالشارع؟
الأحزاب لا تعبر عن الشعب فمعظم تلك الأحزاب أنشأها النظام تحت دعوى الديمقراطية والحرية.
البديل ـ القاهرة ـ حوار حفني وافى
14/06/2008
اقرأ أيضا:
الخــوف مــن الحميميــة..... لمــاذا؟!/ الإدمـان... نحـو استراتيجيــة اجتماعيــة جديــدة/ لغز مذبحه بني مزار/ على هامش كارثة قطاري قليوب/ الأب الحاضر الغائب المُغيَّب