تابعت باهتمام شديد ما قدمته صفحة "بريد الجمعة" من آراء تدور حول وحدتنا الوطنية ومحاولات بعض ضعاف النفوس في الداخل والخارج النيل من وحدة الدم والأصل والتاريخ التي يستظل بها كل أبناء مصر الشرفاء المخلصين الواعين.. والواقع أن لي تجربة شخصية أشيد بها دائما في كل مرة تثار أمامي تلك الخزعبلات التي تفرق بين مسلمي ومسيحيي هذا البلد الآمن المطمئن.. ففي مرحلة التعليم الجامعي جمعتنا المصادفة وحدها ودون سابق ترتيب نحن الأصدقاء الأربعة مسلمين ومسيحيين لنكون نموذجا فريدا للصداقة الحميمة دون أي مصلحة شخصية حتى أصبحت صداقتنا مضرب الأمثال.. ولم ننتبه يوما إلى حقيقة أننا ننتمي إلى ديانتين مختلفتين ولم يحدث يوما وعلى مدى عقود طويلة أن حدث بيننا مجرد حوار حول هذا الموضوع، بل كنا على العكس ننتهز الفرصة لننعم ونسعد بكل أعياد المسلمين والمسيحيين دون تفرقة فصارت أعيادتنا مضاعفة.
والطريف أن لكل منا نحن الأصدقاء الأربعة مواقف غريبة لا أدري إذا كنا قد سعينا إليها بفطرتنا السمحة أم هي التي سعت إلينا.. فعندما قررت الزواج وبدأ مشوار البحث عن شقة الزوجية توقفت أمام عمارة جديدة في حي الدقي ضمن منطقة الأوقاف القديمة والتي تحولت من فيلات وارفة أشجارها إلى عمارات سكنية متلاصقة.. وقابلنا صاحب العمارة وهو المهندس المسيحي وينجت جابر الذي راح يعدد لنا مزايا عمارته من حيث عدد الغرف ومتانة الخرسانة وجودة المصاعد وغيرها، وكنا على وشك الانصراف حتى ألقى بالقنبلة التي توقفت عندها طويلا وهي أنه قد صمم العمارة لتكون سبعة أدوار وبكل دور شقتان متجاورتان وأنه قرر أن تكون عمارته نموذجا للوحدة الوطنية ففي كل دور من الأدوار السبعة يجمع بين مسلم ومسيحي ليكون نصف ملاك العمارة مسلمين والنصف الآخر مسحيين وأنه لم يتبق لديه غير شقة واحدة في الدور الرابع يريد أن يختار لها مسلما ليكتمل العدد والنظام، ووجدتني أقبل شراءها بلا تردد..
وعندما سألته عن سبب ما سعى إليه من تجانس فريد وبلا أي مصلحة شخصية له حيث أنه لم يحتفظ لنفسه بوحدة من وحدات العقار قال ضاحكا: "تعلمت في دراستي أن الأقطاب المختلفة تتجاذب وتتماسك ولهذا حرصت على وجود مسلم ومسيحي في كل طابق لكي يتجاذبا ويجتمعا على الود والحب والوفاء.. كما حرصت على أن يكون بينكم أستاذنا الموسيقار الكبير هاني شنوده ليعزف لكم دائما لحن الوفاء!"
والحقيقة أن المهندس وينجت جابر كان بعيد النظر وله فلسفته الجميلة التي لا يزال الكل يشكرونه عليها برغم غيابه عنا وسفره للعيش مع أبنائه في الولايات المتحدة، فمنذ ذلك اليوم وحتى الآن نعيش معا في سيمفونية جميلة من الحب والوفاء.. أسر تكاثرت وتعددت مسلمين ومسيحيين في أروع ما تكون صور الوحدة الوطنية، وتضاعفت أعيادنا وأسباب سعادتنا ومشاركتنا ووقوفنا معا في السراء والضراء، والغريب أن البعض قد باع شقته سواء بسبب البحث عن شقة أوسع أو الانتقال إلى منطقة عمل أخرى ولاحظنا أن نظام الأقطاب المختلفة الذي جمع بيننا لسنوات طويلة لا يزال قائما متوازنا رغم تغير الوجوه والأشخاص حتى عرفت عمارتنا بين سكان حي الدقي بمنزل الوحدة الوطنية.
اقرأ أيضاً:
صفات الزوجة الفاشلة/ الحب الذي أعرفه/ شباب الچل وفتيات البدي صنيعة من؟؟/ الطلاق ظاهرة أم سلوك عربي؟!