عفوا أمي … حاولت تجاهل عيدك هذا العام
أمي الحبيبة .. عذرا ! فقد حاولت تجاهل عيدك هذا العام - عيد الأم - حاولت البعد عن أي مؤثرات تثير عاطفتي… حاولت اعتناق فضيلة اللامبالاة… نعم اللامبالاة حقا فضيلة لأنها تحمينا أحيانا من الوجع،
حاولت بالفعل الابتعاد هذا العام عن كل تلك الذكريات التي دائما تلاحقني في هذا اليوم، حاولت أن أصم أذنيّ عن أي أغاني تتغنى بك، وتجاهل المقولات والكتابات التي تكتب في أروقة الشبكات الاجتماعية في مثل هذا اليوم، حاولت يا أمي أن أعيش هذا العام إحساس الأم وليس الابنة، لربما أتناسى مرارة الفقد ولهف الوحشة ولو قليلا …نعم يا أمي حاولت أصهر ذكرياتي معك في احتفال أبنائي بي وأتجاهل ذكري احتفالي بك …أن أتناسى هذا اليوم وذكرياته الحلوة التي تحولت لمرارة بعدك، حاولت أتناسى لهفتي في احتضانك لي وأنا أقول لك. "كل سنة وأنت طيبة يا ست الحبايب"
حاولت يا أمي هذا العام أن أكون أقوى وأصمد… ولم لا وقد مر على فراقك ١٣ عاما وتسعة أشهر، ألا يجب أن أكون قد اعتدت غيابك ! ألا يجب أن أكون قد اعتدت وحدتي بدونك!
أليس طبيعيا بعد كل هذه السنوات أن تمر علي تلك المشاعر التي كنت تشاركينني إياها دون الشعور بالفقد أو بالاحتياج!
أتتذكرين يا أمي كم كانت فرحتي لا تكمل بأي شيء إلا حينما تفرحين معي، وكم كنت أجري إليك تحملني لهفتي في رؤية فرحتك بي وهنا فقط كنت أشعر باكتمال الفرح.
أتتذكرين كم من أحزان أو مخاوف حملتها عني، وكم كان الحمل يهون حينما تحتوينه وتحتويني !
آاااه يا أمي في القلب كثير من وجع بقدر اشتياقي لك … حاولت كثيرا وكان للأسف مستحيلا !
كيف أستطيع أن أنسى ضمة حضنك لي وأنت تستقبلينني على باب البيت، كيف أستطيع أن أنسى فرحة قلبك وخجل عينيك وأنا أهديك ذرة من أفضالك علي في يوم عيدك !
كيف أستطيع تناسي عطاءك اللامحدود حتى في أشد أوقات مرضك … حينما كان المرض يتحول لطاقة عطاء وبذل في حضرة أبنائك وأحفادك…
أااه يا أمي لقد مرت سنوات وسنوات وما زالت الذكريات قابعة في الوجدان لا تبرحه مهما حاولت التجاهل أو التناسي … وما زالت الصور في المخيلة مكتملة، ولن تمحوها عوامل زمن أو ألزهايمر
سنوات مرت يا أمي بدونك، كبرت فيها ابنتك دهرا!
فرمتها كبوات الحياة وصدمات الواقع … لن تتخيلي كيف أصبحت ابنتك المدللة التي كنت دائما تخشين عليها من مدى حساسيتها… لا تقلقي يا أمي فقد صاغتني جيدا الحياة ومنحتني حكمتك ونضجك وأضافت لي تجربة الحزن قوة وصمودا في أحلك الأزمات… حتى أحفادك يا أمي كبروا وما زالوا ويتذكرون هذا اليوم جيدا حينما كانوا يأتون إليك بهداياهم الطفولية وبطاقاتهم التي تحمل بصمات الحب لك… وكم كنت رائعة حينما كنت أراك تتحولين لطفله تلعب معهم وتسايرهم بساطتهم وبرائتهم… حقا لقد كنت اكتشافا جديدا لي لم أكن أعرفه عنك من قبل !
نعم كل مرحلة كنت أكتشف فيك جديدا وكم أبهرتني اكتشافاتي لك … لم تكوني مجرد أم عادية تربي وتضحي بل كنت مثالا للرقي في التعامل مع الآخرين … كنت مثالا في الكرم مع المحتاجين والذي لم أكتشفه إلا بعد فراقك … نعم في الخفاء كنت تعطين، وكم كان يبهرني تسامحك وكم كانت تبهرني ضحكتك والدموع في عينيك، ما هذا القلب الذي كان ينبض بين ضلوعك! هل هو قلب طفلة أم قلب ملاك!
أبعد كل هذا وأكثر أستطيع أن أتجاهل …أستطيع أن أنسى أو أتناسى!
اعذريني يا أمي لأنني حاولت أتجاهل عيدك كي أعفو نفسي من وجع الذكرى، لقد حاولت ولكنني أخفقت والسبب أنت أيتها العظيمة الحية المتجسدة داخلي فكيف أنساك وأنا أعيش فيك وتعيشين في.
واقرأ أيضًا:
تأملات امرأة من داخل مستشفي الأمراض النفسية / في عيد ميلاد الثورة / من منكم بلا خطيئة