وساوس العقيدة والأحكام ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني18
علاج وسواس العقيدة (الوساوس الكفرية)
نظرا لأنه في أكثر الحالات تأتي الشكوى من وس.وق. الكفر/الشرك/الردة ضمن صورة أشمل من أعراض اضطراب الوسواس القهري، فإن ما سنذكره هنا إنما هو الجزء المعرفي السلوكي الخاص بهذا النوع من الوس.وق والذي يطبق ضمن الإطار السلوكي المعرفي العام، ولعل من المفيد بداية تقسيم الوساوس الكفرية إلى نوعين طبقا لطريقة نشأتها (أي حسب تصنيف لي وكوون (Lee and Kwon, 2003) للوساوس في اضطراب الوسواس القهري) فيكون لدينا نوعان فرعيان متميزان من الوساوس الكفرية، هما الوساوس الكفرية ذاتية التولدAutogenous Blasphemy والوساوس الكفرية التفاعليةReactive Blasphemy إذ تنشأ الوساوس ذاتية التولد من داخل الفرد، وغالبًا دون محفزات خارجية محددة، وتكون مُزعجة للغاية ومرفوضة من الذات. أما الوساوس التفاعلية، فتُثار بمحفزات مُحددة، وغالبًا ما تُعتبر أكثر واقعية أو عقلانية، وإن ظلت تُثير القلق والخوف الشديدين فهي مرفوضة رغم منطقها الظاهر.
(1) وساوس كفرية ذاتية التولد
هنا يجد المريض السب الكفري أو المعنى الكفري داخل وعيه دون مقدمات، ويشعر المريض بخوف وانزعاج شديدين ويحاول التحكم في تفكيره، ويستغرب ورود مثل ذلك على وعيه، وربما استنتج أنه وسواس أو عرف بعد سؤال ذي دلالة، أو ربما انزلق إلى تفسيرات تتعلق بمعنى حدوث ذلك (مثل أن ذلك يدل على كفره أو رغبته في الكفر أو أنه يمكن أن يكفر، أو أن ذلك لا يغفر...إلخ)، وعادة ما يلجأ إلى تحاشي كل ما يمكن أن يثير تلك الوساوس قدر استطاعته، وهناك كثيرون لا يبوحون عن هذا النوع من المعاناة ربما حتى يتكرر كثيرا أو ربما يشتكون من أعراض أخرى للمرض ولا يأتون على ذكره إلا استجابة لسؤال واضح.
(2) وساوس كفرية تفاعلية
مقارنة بالوساوس الكفرية ذاتية التولد التي لا تعرف لها محفزات، فإن الوساوس الكفرية التفاعلية تُثار بمحفزات مُحددة ومنها ما هو تفاعلي لأحداث الحياة أي لأسباب خارجية يجد فيها المريض ما يبدو متنافيا مع الرحمة أو العدل الإلهي ومنها أيضًا ما هو تفاعلي لمعاناة المريض المتفاقمة في أداء العبادة أي لأسباب داخلية كمشاعر التعب والإرهاق والغضب التي تصاحب التكرار والشك، وترتبط هذه الوساوس بقدر عالٍ من الشعور بالذنب وكثير من الأفعال التكفيرية، إذ أنها تبدو للمريض نابعة من ذاته أو مستنتجة بشكل يبدو منطقيا وهي بالتالي منه وليست من الوسواس.
رغم أنه في أغلب الحالات التي تبدأ فيها وس.وق. الكفر/الشرك/الردة بالصورة ذاتية التولد نجدها تتحول بعد ذلك إلى الصورة التفاعلية حيث تكتسب أو تنشئ ارتباطات مع مثيرات معينة بالنسبة للمريض، إلا أن تفسير تحولها إلى تفاعلية للمريض بأنه القابلية للوسوسة -كما هي الحقيقة-يساعد في تخفيض مشاعر الذنب باعتبار التفاعلية رد فعل وسواسي لذاتية التولد التي لا شبهة للذنب فيها، في حين يصعب ذلك في الحالات التي تبدأ فيها وس.وق. الكفر/الشرك/الردة بالصورة التفاعلية، والتي يحتاج المريض فيها إلى فهم عميق لآلية استغلال الوسواس لمشاعر الغضب أو الشك (وهي بالأصل طبيعية) للوسوسة بالكفر/الشرك/الردة في وقتها بحيث يختلط على الشخص منشأها أمن نفسه أم من الوسواس؟، بمعنى أنه ليس مسؤولا ولو توهم أنه مسؤول، والأهم من ذلك هو سؤال إن لم يكن من الوسواس فمن أين؟ إن كان من نفسك فهو داخل ضمن حديث النفس الذي يعفى عنه ما لم تتكلم أو تعمل به، وهذا إن كنت صحيح العقل.
ويحتاج المعالج في البداية إلى طمأنة المريض بخصوص عالمية ظاهرة الوسوسة بالشك (أي إمكانية حدوثها لكل مؤمن) وأن حدوث الشك في حد ذاته ليس ظاهرة مرضية، في حين أن فرط التحسس والتحرز من وجودها يجعلها مرضية وهو ما يحدث عادة لمرضى الوسواس، مثلما يؤدي الاسترسال معها كذلك إلى جعلها مرضية، كذلك يشرح أن المريض ليس مسؤولا عن حدوثها ولا عن استمرارها وأن ما يحتاجه هو فقط التخلص من الخوف من حدوثها (أو تهذيب الخوف) ثم كيفية التعامل معها.
يشرح كذلك أنها ليست دليلا على ضعف الإيمان، ثم يشرح الحكم الشرعي للوساوس والقهور الكفرية إن لم يكن المريض على علم به -رغم اشتهار ذلك على صفحات الإنترنت في العقد الأخير- والمستند لأحاديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم والتي يشير فيها إلى عالمية الظاهرة وكيفية التصرف حيالها، مع بيان أن الخطاب النبوي الشريف موجه إلى عامة المسلمين وليس للموسوسين بشكل خاص، وأهمية ذلك البيان هي أن ما ينفع الصحيح حين يواجه هذا النوع من الوساوس، قد يتحول في حالة مريض الوسواس القهري إلى فعل قهري ومن ذلك الاستعاذة على سبيل المثال، ومن المهم أن يبين المعالج للمريض منذ البداية عدم وجود أي فارق بالنسبة له للتصنيف أو التوصيف الذي يضعه لنفسه أو لحالته سواء أنواع الكفر (كفر تكذيب، وكفر استكبار، كفر إعراض، كفر شك أو كفر نفاق) أو من أنواع الردة (بالقول أو الفعل أو الاعتقاد)...إلخ لسبب واضح هو أن التفريق قد يكون مهما في حال امتلاك الشخص إرادة حرة كاملة وقدرة على تمييز دواخله أي حالة العقل الصحيح، ولكن الأمر بالنسبة للموسوس.
بالنسبة لوساوس التشكيك الكفرية:
وهذه واحدة من أوضح ما وردت بشأنه أحاديث شريفة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ»، وفي رواية عند مسلم: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ هَذَا: خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ»؛ وفي رواية عند أبي داود: قَالَ: «فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: "اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" ثُمَّ لْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثاً، وَلْيَسْتَعِذْ مِن الشَّيْطَانِ». [البخاري: بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده، مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان، أبو داود: السنة/ باب في الجهمية].
وعَنْ عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ. فَيَقُولُ: فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرأ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ» [سبق تخريجه] وروى أبو داود عن أَبُي زُمَيْلٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: مَا شَيءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَشَيءٌ مِنْ شَكٍّ؟ قَالَ: وَضَحِكَ. قَالَ: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ، قَالَ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ((فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)) الآيَةَ. قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ: ((هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ)). [أبو داود: الأدب/ باب رد الوسوسة، وإسناده جيد، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يشك، وإنما الآية خطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد بها غيره ممن يشك، وهذا وارد في لغة العرب، وهذا ما قصده ابن عباس رضي الله عنه من استشهاده بالآية]).
ويتبع>>>>>: وساوس العقيدة والأحكام ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني20
واقرأ أيضًا:
استشارات وسواس العقيدة / استشارات السب الكفري!