مساء الخير
أرجو مساعدتي في الوصول إلى حل: لديّ معايير عالية. لاحظتُ أنني أركز كثيرًا على المظهر، والشكل الخارجي، والمال، والطبقة الاجتماعية. أعمل وأتقاضى راتبًا جيدًا، وأتحدث لغات متعددة، وأعيش في مكان جميل، وأنا ذكية ومظهري جيد -لكن المشكلة، كما ذكرتُ، هي أنني أُقدّر الصفات الخارجية، وأعامل الناس بنفس الطريقة.
لقد أثر هذا على طريقة تعاملي مع الناس وكيفية تعاملي مع أي علاقة يحاول فيها الطرف الآخر معي. جعلني أمرّ بعلاقة كانت معاييري فيها تتعلق بالمظهر فقط. جعلني أتقبل أن أكون مع شخص يسأل عن المال ولا يُحسن معاملتي.
كما جعلني أرفض شخصًا أحبني لمجرد أن مظهره العام وطبقته الاجتماعية لا يتناسبان مع معتقداتي. كما تركني هذا بلا أصدقاء في الجامعة أو العمل. كل من يحاول التقرب مني، أرفضه فورًا لمجرد أنه لا "يتناسب" مع أفكاري من حيث المظهر. حتى أنه جعلني أُعجب بشخص ما. يكبرني بخمسة عشر عامًا فقط لأنه، إلى حد ما، كان يُوافق أفكاري.
لا أستطيع حقًا شرح ما أفكر فيه أو كيف، لكنني دائمًا أسعى للأفضل في كل شيء –
وهذا أمر لا أستطيع الاستمرار فيه لأنه يُؤذي من حولي.
04/10/2025
رد المستشار
ابنتي العزيزة
أهلا ومرحبا بك ونأمل أن نكون عونا لك
تعالي ننظر إلى ما أسلفت في رسالتك بنظرة مختلفة من خلال أن نلقي الضوء على سمات شخصيتك من خلال ما توصلنا نحن إليه وكذلك العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية التي قد تكون ساعدت في تكوين ذلك والآثار التي ترتبت على هذا ونختم لك ببعض التوصيات.
أولًا: التحليل النفسي للشخصية: تتسم شخصيتك بالبحث عن المعايير المرتفعة جدًا High Standards في كل ما يخص حياتك كالعمل، العلاقات، المظهروكأنك في اختبار دائم لتكوني "الأفضل".
كما تعتمدين على التقييم الخارجي في حكمك علي كل ما حولك: بناءً على الصورة الخارجية أو الانطباع الاجتماعي أكثر من الجوانب الجوهرية (كالقيم، المشاعر، التوافق الإنساني).
ولديك وعي ذاتي مرتفع: فرغم النزعة الكمالية، إلا أنك مدركة بوضوح لتأثيرها السلبي، وهذه علامة نضج نفسي ومرحلة بداية التغيير.
كما يوجد تناقض داخلي بين حاجتك إلى العلاقات الحقيقية والتقدير العاطفي، وبين ميلك إلى رفض من لا يتناسب مع "المعايير المثالية" التي بنيتها لنفسك وهذا يولّد شعورًا بالوحدة والفراغ رغم النجاح الخارجي.
ثانيًا: العوامل النفسية التي ساعدت في تكوّن هذا النمط
ربما نشأتِ في بيئة تربط القيمة بالنجاح والمظهر (مثل: "كوني الأجمل– كوني الأفضل– لا تقتربي من الناس الأقل منك") فهذا يزرع في اللاوعي فكرة أن الحب أو القبول لا يُمنح إلا للمتميزة شكلاً أو مكانةً.
وقد تكونين تلقيتِ مدحًا مشروطًا ("أنتِ جميلة وذكية، لذلك نحن فخورون بك") مما جعل التقدير الذاتي يعتمد على استمرار تلك الصورة اللامعة.
قد يكون التركيز على المظهر والنجاح وسيلة غير مباشرة للبحث عن القبول. ففي العمق، هناك حاجة للانتماء والحب غير المشروط، لكنك اعتدتِ أن تحصليه من خلال الأداء والصورة المثالية فقط. وهذا ما يجعلك تميلين إلى الانجذاب لأشخاص يبدون "كاملين" أو يمثلون الصورة التي تسعين إليها، أكثر من الانجذاب لأشخاص يمنحونك الأمان أو القبول.
قد تكونين مررت بتجارب شعرتِ فيها بأن الآخرين انجذبوا إليك فقط بسبب مظهرك أو نجاحك، قد عزّزت الاعتقاد بأن العلاقات قائمة على المظهر والمكانة، فبدأتِ تتعاملين بالمثل.
أو أن العلاقة التي دخلتِها بناءً على الشكل خذلك فيها الطرف الآخر ماليًا أو عاطفيًا فعمّقت الشعور بالتناقض والارتباك بين "ما تريدين" و"ما تحتاجينه فعلاً".
قد يكون المجتمع الذي حولك، يُضخّم معايير المظهر والمكانة، مما يجعل من الطبيعي أن تتأثري بهذه القيم. فكونك ناجحة ومتعلمة قد جعلك تحافظين على صورة معينة أمام الآخرين، فتخشين أن ترتبطي أو تصادقي أشخاصًا قد "ينقصون" هذه الصورة.
طريقة تفكيرك : هناك تشوّه معرفي شائع يُسمى "التفكير الثنائي" All-or-Nothing Thinking: أي تقسيم الناس إلى "يناسب / لا يناسب" أو "راقي / غير راقٍ" دون مناطق رمادية. وأيضًا "التحيز التأكيدي"، حيث يركّز الذهن فقط على الصفات الخارجية التي تؤكد قناعاتك القديمة، ويتجاهل الصفات الجوهرية الإيجابية في الآخرين
ونصل إلى تأثير ما سبق عليك من صعوبة بناء علاقات حقيقية بسبب الحواجز التي تفرضها معاييرك ووجود فراغ عاطفي رغم الامتيازات المادية وتناقض بين الوعي والسلوك: تدركين الخطأ، لكنك تجدين صعوبة في كسره لأن المظهر أصبح مرجعًا للأمان النفسي. وقد يكون هناك تقدير ذاتي هش (فتتأثرين بسرعة إذا لم تُشعري أنك "الأفضل").
نستخلص مما سبق أن شخصيتك قد تميل إلى النمط الكمالي الاجتماعي Socially Prescribed Perfectionism أو أحيانًا الشخصية ذات النزعة النرجسية التعويضية (ليس مرضًا، بل نمط دفاعي للتعويض عن شعور داخلي بعدم الكفاية).
وإليك بعض التوصيات:
مراجعة المعتقدات الجوهرية مثل "قيمتي تأتي من مظهري أو من المكانة التي أملكها".
السعي لبناء علاقة علاجية تتيح لك اختبار مفهوم الحب غير المشروط والقبول الذاتي.
فهم جذور حاجتك للكمال، واستكشاف علاقتك بالصورة والمجتمع وبك.
من خلال التالي:
سجّلي مواقف حكمتِ فيها على شخص بالمظهر، ثم اكتبي ما لم تعرفيه عنه من الداخل.
كل يوم، لاحظي صفة داخلية جميلة في شخص عادي حولك (كالأمانة أو اللطف).
مارسي "الامتنان الواقعي" بدلًا من المقارنة، بكتابة 3 أشياء تقدّرينها في حياتك الحالية دون أن ترتبط بالمظهر أو المكانة.
في حالة عدم قدرة ما سبق على مساعدتك فابحثي عن مساعدة مهنية متخصصة.
تابعينا.
واقرئي أيضًا:
الكماليةُ (فرطُ الإتقان) وعدمُ الاكتمال
كمالية معايير ومخاوف ووسواس هل من صلة؟
المثالية في كل شيء: الكمالية السريرية
عقدة النقص وفخ الكمالية!