السلام عليكم
أعجبني هذا الموقع كثيرا ولا أفهم لماذا لا تهتمون بالدعاية له كما يستحق؟ بالنسبة لي لدي سؤال ربما تأخر طويلا لكن ربما حان الوقت الآن لأطرحه هنا:
لماذا عندما يرى الوالدان طفلًا مطيعًا، ساذجًا، انطوائيًا، ومتشبثًا، أول ما يتبادر إلى أذهانهما: كيف نستغل هذا الطفل ليُلبي مطالبنا، مهما كانت قاسية؟ يجدان في هذا الطفل فرصةً للتخفيف من أعباء التربية. ويُنشئان فيه حالةً من التبعية ليكون كل شيء في حياته. ثم، طوال حياته، يستمران في ابتزازه عاطفيًا للحصول على ما يريد. يتم ذلك من خلال خلق صورة في ذهن الطفل مفادها أن (الطاعة = استمرار الحب).
من المستحيل على الطفل حتى التفكير في الانحراف عن المطالب التي يُفترض تلبيتها حتى يستمر والداه، اللذان يمثلان كل شيء بالنسبة له، في توفير الحب والدفء والأمان له. كنتُ آخر خمسة أطفال. لذا، يمكننا القول إنه عندما جئتُ إلى هذا العالم، ازدادت مسؤوليات الأسرة. كنتُ الطفل المُريح، الذي يسير بجانب الجدار، ويلتزم الصمت، ويضحي بنفسه ليستمر الجو هادئًا. كان والداي كثيرًا ما يشتكيان من النفقات كلما طلب أحد إخوتي شيئًا. كانا كثيرًا ما يمدحانني عندما يطلب أحد إخوتي شيئًا. كانوا يقارنونهم بي ويتحدثان عني أمام إخوتي عن مدى اهتمامي بهم وقلة طلباتي. كنت أسعد كثيرًا عندما يشيد بي والداي.
في الحقيقة، لم أفعل ذلك لأنني لم أكن أريد شيئًا، بل لأنني كنت متعلقًا بهما ولم أكن أريد أن يحرماني من الحب الذي أتلقاه منهما. وكانت النتيجة أنني طوال حياتي، كنت أحسد نفسي على كل شيء، وأشعر بأنني لا أستحقه. حتى أنني رأيت نفسي لا أستحق الحب، لأن أي حب بالنسبة لي كان مشروطًا.
كبرت، والتقيت بمزيد من الناس، وبدأت أرى أن العالم أكبر من جدران منزلنا. وبحلول الوقت الذي بلغت فيه المدرسة الإعدادية، كنت قد تخلصت أخيرًا من التبجيل الذي كنت أشعر به تجاه والديّ، وبدأت أتمرد وأعصيهما.
ومع أن حبهما لا يزال ذا قيمة كبيرة بالنسبة لي، إلا أن العالم استطاع أن يصل إليّ بنفس الطريقة التي وصل بها والدي. وقد امتلكتني أمي من خلال ذلك. باستغلال ضعف ثقتي بنفسي، وانهزاميتي النفسية، ورغبتي في الشعور بالانتماء، ورؤية نفسي من خلال آراء الآخرين وتقديرهم.
مع أنني كنتُ أكبر، وكنتُ على ما يبدو غير مبالٍ بآراء والديّ بي، كنتُ لا أزال أعاني من جميع آثار سجن التربية المشروطة التي نشأتُ فيها. انضممتُ إلى سيد جديد، وهو العالم المادي، المنحط أخلاقيًا، والفاسد فكريًا. أضيع أحيانًا، وأجلس أُحصي أمورًا، لو كانت مختلفة، لما وضعتني في هذا الوضع.
في كل مرة أُحصي فيها الأمور، أشعر بالندم والندم، لكن للأمر لذة خاصة. لكنني على يقين أن كل هذا كان مُقدّرًا لي من الله لأسباب لن أفهمها أبدًا.
أقول إنه ربما يستطيع أحدهم أن يشعر بوجود شخص يُشبهه. أو أجده يُشبهني.
أشك في وجود شخص بهذا الغباء والسذاجة.
أشعر أنني غريب في هذا العالم. حتى إخوتي الذين ربّتهم نفس الأم والأب، لا يواجهون مشاكلي، والحمد لله لم يصبحوا مثلي.
22/10/2025
رد المستشار
أهلا وسهلا بك وشكرا على تعليقك ونرجو أن نكون دائما موجودين لخدمتك وخدمة كل محتاج.
يميل كثير من الآباء الي التربية المتسلطة التي تساعد على ظهور طفل مطيع ليس لديه طلبات ويكبت احتياجاته وينفذ التعليمات ولا يناقش ولا يعبر، بل ينفذ فقط وهو ما حدث معك وهي تربية قائمة على الحب المشروط والتعزيز الانتقائي للطاعة والخضوع وأدي هذا للأسف الشديد إلى شخص يعاني من اضطراب في تقدير الذات، وتكوين نمط اعتماد نفسي – عاطفي (الشخصية التجنبية أو الاعتمادية).
ما يؤكد اضطراب الشخصية الاعتمادية Dependent Personality Disorder وجود صعوبة في اتخاذ قراراتك دون طمأنة أو تأييد من الآخرين (كنت متعلقًا بهما ولم أكن أريد أن يحرماني من الحب). وجود استعداد مفرط للتضحية بنفسك لتجنّب فقدان الحب أو الدعم (كنت الطفل المُريح.... أضحي بنفسي ليستمر الجو هادئًا). شعورك الدائم بعدم الكفاءة والحاجة إلى الحماية (انهزاميتي النفسية، ورغبتي في الشعور بالانتماء). الخوف من الرفض والهجر، حتى عندما تحاول الاستقلال (كنتُ أكبر، وكنتُ على ما يبدو غير مبالٍ، لكنني كنت لا أزال أعاني من آثار سجن التربية المشروطة).
والأدلة على وجود اضطراب الشخصية التجنبية Avoidant Personality Traits شعورك بالدونية وعدم الاستحقاق (أحسد نفسي على كل شيء، وأشعر بأنني لا أستحقه). مع الحساسية المفرطة تجاه النقد أو الرفض (أرى نفسي من خلال آراء الآخرين وتقديرهم). والميل إلى الانسحاب والانطواء المبكر (كنتُ الطفل الساذج، الانطوائي، الصامت).
وما سبق أدي إلي ظهور اضطراب اكتئابي خفيف مزمن Persistent Depressive Disorder – mild من خلال الشعور بالندم، الحزن المستمر، فقدان المعنى (أجلس أُحصي أمورًا لو كانت مختلفة.... أشعر بالندم والندم) مع نظرة سلبية للذات والعالم (أشعر أنني غريب في هذا العالم) لكن مع الحفاظ على العلاقات والعمل (لا يوجد عجز وظيفي واضح في العمل أو العلاقات).
ما هي العوامل المسببة والمشكِّلة للحالة؟ هي عوامل أسرية (نمط التربية) في صورة:
1.وجود حب مشروط: الحب مقترن بالطاعة والخضوع أدى إلى غياب الأمان العاطفي.
2.التعزيز الانتقائي: كان يُكافأ عندما لا يطلب شيئًا، مما خلق ارتباطًا بين الكتمان والقبول.
3.المقارنة الدائمة: ولّدت شعورًا بالدونية والذنب تجاه الرغبة أو الاحتياج.
4.وجود ابتزاز عاطفي من الأهل: جعلت الحب مكافأة مشروطة بالامتثال.
عوامل نفسية داخلية في صورة تقدير ذاتي منخفض جدًا مع وجود اعتمادية عاطفية متجذرة وإحساس مزمن بالذنب عند الرفض أو طلب الاحتياج مع استخدام آليات دفاع تجنبية كالكبت، المثالية الأخلاقية، والانسحاب.
عوامل بيئية واجتماعية كالانخراط في عالم مادي يربط القيمة بالإنجاز والمظهر ووجود عزلة وجدانية وصعوبة في الانتماء.
التوصيات العلاجية
أعتقد أنك ستحتاج إلى مساعدة مهنية متخصصة بهدف إعادة بناء مفهوم الذات واستحقاق الحب غير المشروط ومعالجة أنماط التفكير التلقائية (مثل: أنا لا أستحق، الرفض يعني الفقد) والتدريب على مهارات الحزم والإيجابية Assertiveness وتطوير وعيك بالاحتياجات والرغبات دون شعورك بالذنب. وإعادة الهيكلة المعرفية لكسر الاعتقادات السلبية حول الذات.
يمكنك كتابة جمل الحب المشروط ثم إعادة صياغتها بشكل واقعي (أستحق الحب حتى لو رفضت)
والتعبير عن الاحتياج دون خوف وتقوية حضور الذات وتقليل التبعية من خلال التأمل في المواقف دون إصدار حكم
ومعالجة الطفل الداخلي الذي سُلب الأمان من خلال التحدث إليه كتابيًا وإعادة منحه الأمان والحب غير المشروط
ممارسة العلاج الجماعي لتصحيح صورة الذات أمام الآخرين واختبار العلاقات غير المشروطة.
ربما تحتاج إلى العلاج الدوائي في حال وجود أعراض اكتئابية أو قلق واضح.
يمكنك عمل خطوات يومية تطبيقية مثل كتابة يوميات الامتنان للذات (ثلاثة أشياء أقدرها في نفسي يوميًا).
قل لا لمطلب صغير أسبوعيًا دون تبرير مفرط.
ممارسة نشاط بدني منتظم لتفريغ التوتر واستعادة الإحساس بالتحكم.
وفقك الله وتابعنا.
واقرأ أيضًا:
الشخصية الاتكالية (الاعتمادية/السلبية):
بؤرة التحكم والشخصية الاعتمادية
الشخصية الانطوائية بل التجنبية
القلق والوسواس في شخصية تجنبية!
الشخصية التجنبية :الأبعاد الخمسة!
الشخصية التجنبية :الفهم أول الطريق!