لم يتسنّ لي أن أشكر حضراتكم، فقد ساعدتموني كما ساعدتم غيري في حل مشاكل واجهتنا قبل، فشكرا لحضراتكم.
ولكني الآن بصدد مواجهة مشكلة قاسية جدا، مشكلة أسرية، أبي يترك أختي التي تصغرني بـ6 سنوات تخرج من البيت بلباس لا يليق، حتى أنا الشاب لا ألبس مثله... هي الآن في 15 من العمر، وأنا شديد الغيرة.
ولكن غيرتي خالية من الشك بفضل الله... منذ عام، أي منذ أن بدأت البحث عن طريق الإسلام، بدأت أحدثها عن حجابها وعن الدين، كنت أفضل أن يكون قرار الحجاب نابعا من داخلها، في بعض الأحيان كانت تبدي الرضا، ولكن الآن اكتشفت أنها كانت تخدعني رغم "فرق السن"... استطاعت أن توهمني باهتمامها بالدين حتى لا أغضب، وثرت عندما علمت بهذا.
فمنذ عامين وحتى الآن وهي لم تلتزم بالصلاة رغم أن جميع من في البيت يصلي... في ذات المرات رأيت شابا يعاكسها فاستشطت غضبا، وأخبرت أبي فقال لي: "شو فيها"، وحدثته عن لباسها فقال لي هذا أمر لا يعنيك.
حتى أنه في ذلك اليوم جعلها تخرج من البيت بلباس قبيح جدا، لم تتدارك عيني ما رأيت وسرقني الدمع، من بعدها لم أعد أطيق هذه الحياة، لم أذق شيئا ثلاثة أيام غير قليل من الماء وعدة لقيمات تعد على أصابع اليد، هزلت، وفي بعض الأوقات لم أعد قادرا على الحركة، لم أغادر غرفتي 3 أيام، ولم أنوِ أن أغادرها.
أختي لم تسأل ما بالي، أبي سألني في اليوم الثالث فأخبرته ولم يحرك ساكنا، بل ازداد عنادا، لا أدري ماذا حصل في عقلي في هذه المدة، أفكر في الانتحار، ولكن الحمد لله استدركني حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه....).
في اليوم الرابع ضربني أبي لأني لم أرغب في الذهاب للجامعة... ملاحظة: منذ أن بدأت التزامي كان إن لطم خدي أعطيته الخد الآخر، وإن سبني شكرته، يفعل ما يريد فأتقبله عن طيب خاطر، أو أحاول جهدي ليكون تقبلي عن طيب خاطر، فعندما ضربني لم أبدِ أي ردة فعل بل جمدت في مكاني.
ولكنه نعتني "بالهامل" فاشتطت غضبا، يضربني لأني لا أريد لأختي أن تظهر بمظهر لا يليق مع أني لا أسألها النقاب أو الحجاب، ولكن لتكن ملابسها فضفاضة لا تصف ولا تشف، فقلت له سأفعل ما تريد، أتريد تفوقي في الجامعة، ولم أعره اهتماما ولا لكلامه فخرجت للجامعة.
بعد عدة أيام قابلت صديقا وتحدثنا في أمور الحجاب والستر... كان هذا شغل عقلي الشاغل، ولكنى لم أذكر له مشكلتي، احترمت أباه وأخته التي فضلت أن ترتدي الحجاب على أن تخسر أخاها، وقال لي صديقي إن ما ورد على أنه حديث (أن المرأة تأخذ أباها وأخاها وابنها وزوجها إلى النار) ما هو إلا قول مأثور وليس بحديث، وكنت قد بحثت قبلا في البخاري فلم أجده.
وبعد ذلك دخلت بعض الطمأنينة إلى نفسي وعدت أكمل حياتي بشكلها المعتاد - نوعا ما - تكلمت مع أمي واتفقنا أن نبدأ من جديد حياة جديدة، الآن أنا لا أطيق السكن معهم في بيت واحد، أنا لا آكل مع أبي أو أختي على نفس المائدة، أصبحت لا أطيق النظر إليهم، لا يكلمني أبي إلا القليل... قال لي إن ما يفعله هو خطأ ولكن يريد أن يفعله، أبي حج مرتين ويصلي، وعاد للتدخين بعد أن تركه 9 سنوات.
أنا أفكر في ترك البيت، فبعد أسابيع أتخرج بإذن الله وسأبحث عن عمل وبيت آخر، لا أعتقد أن أبي يشعر بالغيرة، يمكنه أن يطلب مني ما يشاء أو أن يفعل بي ما يريد، ولكن إلا ما يفعله بأختي والتي أصبحت اهتماماتها المغنيات الموضة والنميمة على الهاتف، ومثل هذه الأمور، بل إنها تندمج معهم وتقول فلانة كذا وفلان كذا وتصفهم بأمور لا يليق بلسان العفيفة أن تنطق بها أفكر في التبرؤ منهما، أنا لا أقدر على أن أبر أهلي وهم على حالهم، ولكني أبذل جهدي لكي لا أعقهم في نفس الوقت.
عباداتي في تراجع ومعصيتي في ازدياد، وأعرف أن ما بدر مني هو معصية شديدة ولكن الأمر ليس بيدي، أنا أنظر للغيرة كصفة في الإنسان، كالذكاء والغباء، فلا يمكنني أن أقول للذكي لا تكن ذكيا، ولكن ربما يمكنه التوقف عن التفكير، أما الغيرة إن كان يمكن إيقافها فأنا لا أريد أن أكون ديوثا.
أكاد أبكي وأنا أخط رسالتي، قبل ذلك حاولت أن أكون على سجيتي، ولكن عندما أراها أشتاط غضبا... بم تنصحونني.
ورجااااء حار لا تقولوا لي اصبر فقد صبرت عاما، وأنا لا أطيق النظر، قلبي يغلي عندما أراها تخرج خارج البيت، أريد حلا منطقيا يمنعني من ترك البيت والتبرؤ من أهلي.
أعتذر عن الإطالة وأتمنى أن أجد عند حضرتكم النصح كما تعودت دائما.
08/8/2025
رد المستشار
فليقل خيرا أو ليصمت
بمجرد أن قرأت رسالتك خطر على بالي أن أسألك سؤالا: ترى كيف سيكون رد فعلك إذا جاءتك أختك وقالت لك: "أي أخي... أنا أستأذنك - إذا سمحت- أن أزني مع جارنا فلان"؟
هذا الموقف حدث فعلا، حيث جاء أحد الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأذنه في الزنا!
ولعلك تتفق معي حول الفارق بين هذا الصحابي الجليل الراشد الذي يحضر دروسا يوميا على يد إمام المربين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أختك المسكينة المراهقة التي تعيش في عالمنا الحالي!
ومع هذا كان رد الرسول صلى الله عليه وسلم في غاية الهدوء والحكمة، ولم يغضب، ولم يثر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يدرك طبيعة النفس البشرية الضعيفة؛ ولأنه تعلم فنون الموعظة الحسنة؛ ولأنه يدرك معنى قوله الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].
أنت تتعامل مع فتاة في مرحلة المراهقة، في أصعب سن يمر به الإنسان، تتأثر بما تراه حولها في المجتمع، وهي لن تقبل منك نصحا، أو وعظا، أو إرشادا، وإنما يمكن أن تقبل منك حبا، وصداقة، واحتراما.
ثم تأتي محاولات التغيير على هذه الأرضية من العلاقة الطيبة، والحوار الودود.
أنت لا تملك عليها سلطانا -ولا أحد يملك في الحقيقة-والأمر الآن بيدها؛ لأنها لم تعد طفلة بل فتاة يافعة، فإذا استطعت أن تقوم معها بدور الصديق فهذا خير، وإن لم تستطع فعلى الأقل حافظ على درجة من الود بينكما، وحاول أن تدلها على صحبة طيبة تقوم بهذا الدور نيابة عنك.
واعلم في كل الأحوال أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
ويتبقى سؤال أخير: الأوامر التي أمرنا الله بها درجات، وليست كلها على نفس الدرجة، وكذلك النواهي درجات، وسؤالي هو: أي الأوامر ذو درجة أعلى؛ الحجاب، أم بر الوالدين؟ أو بمعنى آخر أي الذنوب أشد؛ عدم ارتداء أختك للحجاب، أم مقاطعتك لأبيك، وألا تأكل معه على نفس المائدة؟
أعتقد أن خطأك أكبر عند الله من خطئها، لا أقول لك هذا لتجلد نفسك، ولا أقوله لكي أبرر لها ما تفعله، ولكني أقول كلنا ضعفاء، ولكن ضعفنا ليس في نقطة واحدة مشتركة.
فمن أراد خيرا بأخيه فعليه أن يكون (رقيق) القلب يحترم ضعفه، ويتعرف على مفاتيح شخصيته ويتحلى بالصبر الجميل، والنفس الطويل، وليقل خيرا أو ليصمت.
أخي الكريم، أدعو الله أن يتقبل غيرتك، وحرصك على أختك ويهديها ويهدينا جميعا... آمين.