مشكلتي أحتار في وصفها...... فأنا أعاني منها منذ حوالي سنتين، منذ بدأت أطلع بشكل واسع على المشاكل التي نعاني منها في العالم العربي والإسلامي، وخاصة مشكلة فلسطين بالدرجة الأولى ولا أقول غزة فقط، ثم مشكلة لبنان وسوريا واليمن وإيران وكشمير والسيطرة الأمريكية "الإسرائيلية" على دول الخليج، ثم سيطرة الأحزاب العلمانية على الحكم في كثير من الدول العربية، وضرب كل محاولة لأحزاب إسلامية من أجل الوصول إلى السلطة، ثم تجاهل الحكام العرب لبرامج الأبحاث العلمية.............
كل هذه المشاكل دفعتني إلى التفكير في حلول لها قد تستغرق ساعات وأيامًا وشهورًا، العجيب أنني أفكر تارة بعقلانية وتارة أخرى في حلول مدمرة، وذلك على أنها الحل الوحيد للمشكلة، فمثلا مشكلة تفوق إسرائيل الجوي على الجميع وكذا امتلاك إسرائيل للسلاح النووي (300 رأس نووية) فلو أن حربًا حقيقية اندلعت بين إسرائيل ومصر، وقامت الأولى بإلقاء قنبلة نووية على محافظة القاهرة (أكثر من 10 مليون نسمة) فماذا سيفعل العرب؟
أنا سأقول لك: سيجتمع الزعماء العرب، ثم يصدرون بيانًا يستنكرون الاعتداء بشدة، ويطالبون بتعويضات عن الأضرار، ثم يعود كل منهم إلى قصره، وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد، إن مجرد التفكير في هذا الواقع؛ يدفعني إلى الجنون، ثم أعود لأفكر فأتوصل إلى أنه على أثرياء العرب الذين يملكون أموالا لا تُعد ولا تُحصى أن يفكروا في الأمر بشكل جدي، وأن يسعوا لإقامة تنظيمات تسعى للحصول على السلاح النووي، خاصة وأن الوضع ملائم للحصول عليه من المافيا في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي.
ثم أعاود التفكير فأقول بيني وبين نفسي: إن هذا لهو الجنون بعينه، فإذا كانت الدول لا تقدر على هذا فكيف بالأفراد؟! إن هذا التفكير المستمر في القضايا.... يسبب لي الكثير من المشاكل خاصة مع أهلي، وعدم انسجامي مع أصدقائي بسبب عدم شعوري بقدرتهم على فهم ما أفكر فيه.
في النهاية أريد تقييمًا عن كيفية تفكيري بشكل صريح (غبي، جيد، خيالي..........)؟ وهل هذه الطريقة في التفكير سليمة؟
وهل من حل لهذه المشاكل؟ وشكرًا.
29/7/2025
رد المستشار
"الابن العزيز"، دون إفراط في التفاؤل أهنئك بتحرير جنوب لبنان، وأقول لك: صَدَقْتَ يا أخي، بشأن أوضاعنا العامة التي تدفع العاقل إلى الجنون.
أما عن طريقة تفكيرك فهي جيدة، وتحمد عليها: "فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، ولكننا قد نختلف معك في نتيجة هذا التفكير، فإذا كانت نتيجته هي الإحساس بالإحباط والشعور بالعجز، فهذه نتيجة سلبية؛ لأنها ستؤدي إلى القعود، وفقدان الأمل؛ لتزداد الأمور سوءاً على سوء... أما إذا كانت نتيجة هذا التفكير هو التساؤل عن كيفية الخروج مما نحن فيه؟ والسعي لتغيير ذلك، وبدء الإنسان بنفسه فيما يراه من أدوار مطلوبة؛ فهذه نتيجة إيجابية؛ لأنها تؤدي إلى انتعاش الآمال وإلى الحركة الإيمانية الفعالة المؤدية للتغيير بإذن الله.... لقد تحدثت في رسالتك عن القدرة النووية الإسرائيلية، وعن خطرها على المنطقة، وأظنك كنت تقدم ذلك كنموذج للتفوق التكنولوجي، والأخذ بأسباب العلم في هذا المجتمع، الذي كانت ذروته هذا التفوق النووي.
إن السؤال عن حل هذه المشكلة يبدأ من سؤال نفسك عن واجبك نحوها؟... إن هؤلاء القوم الذين أوصلوا وطنهم "المزعوم" إلى هذه الذروة لا بد وأنهم قد آمنوا بقضيتهم أولا، وضرورة الانتصار لها بكل السبل، وهؤلاء وجدوا أن لغة العصر التي تضمن لهم التفوق هي لغة العلم... فإذا ما عدنا إليك فإن قضيتك التي يجب أن تؤمن بها وهي نصرة الإسلام تحتاج إلى فهم عميق لهذا الدين ومعانيه، حتى لا يؤدي فهمك الخاطئ له إلى إلحاق الضرر به، بل وإلحاق الضرر بك.
وهذا يحتاج إلى دراسة ووعي بمفردات الواقع، وبدروس التاريخ، وبعدها يجب أن تتسلح بسلاح العلم في مجال تخصصك، وتصبح بارعاً فيه؛ حتى تستطيع أن تصبح نواة من الأنوية الصُّلْبة التي يمكن الاعتماد عليها في بناء نهضة إسلامية حقيقية... إن المشكلة ليست في إلقاء القنبلة النووية على القاهرة، وردود الفعل نحو ذلك، بل إنه إذا حدث ذلك فسيكون تجليًا لحالة من الضعف العام على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية...
إن الأمة انهزمت أولاً، ثم انهزم الجيش، أو جاء الاحتلال؛ ولذا فلا بد أن تنتصر الأمة أولاً، أي لا بد من البعث على كل المستويات السابق ذكرها، لا بد من النهوض والنهضة، وهذا قد يحتاج إلى زمن طويل وجهد ليس بالقليل، ربما تكون أنت أحد رواده، ولن يكون ذلك بالتفكير العاجز الذي يكاد يوصل إلى الجنون، بل بالتفكير الواعي. إن المعركة مع عدونا معركة حضارة منتصرة تبدأ في النفوس والعقول، فإذا أردنا أن ننتصر فلا بد وأن نأخذ بأسباب انتصار الحضارات، التي يعتبر الزمن أحد محاورها الأساسية، فإذا أراد أحد أن يخالف السنن، ويتحدى النواميس، ويحقق انتصاراً تافهًا بفرقعة هنا أو هناك؛ فإنما هو يخدع نفسه، بل ويعطل المسيرة الحقيقية لتحقيق الانتصار، ليس في المعركة، ولكن في الحياة بامتدادها وتشعبها وتعقدها.
إنها نواميس الله وسننه التي لن يغيرها من أجل مجموعة من الكسالى القاعدين كما قالها الشيخ الغزالي عليه رحمة الله.
إن الانتصار في معركة الحضارة والحياة له قوانينه فإن أخذنا بها انتصرنا وفزنا وسدنا، وإن لم نأخذ بها فلا نلومن إلا أنفسنا، وليبدأ كل منا بنفسه بوعي، وإدراك لحقيقة ما هو فيه، وما هو مقدم عليه.
واقرأ أيضًا:
الجهاد المدني.. الطريق إلى الفعل مشاركة
الحب بالتنقيط: فلسطين... السياسة، وفش الخلق مشاركة
بدائيون لم نزل: ثمن الصمود الفلسطيني
يفعلون ولا نفعل: محنة الإسلام في تخلف المسلمين