شماعة ضغوط الأهل: الشاب أيضًا يتراجع
أرضي مين فيهم؟
أنا شاب في سن 25 عام متزوج وعندي طفلة عمرها شهرين تقريبا أعمل بوظيفة محاسب والحمد لله ميسور الحال.
الموضوع: منذ عامين تقريبا خطبت أخت صديق عزيز علي جدا كنت أذاكر معه منذ فترة الإعدادية وعلى علاقة حميمة به وبأهله خطبت أخته من حوالي عام ونصف وكان أبي وأمي موافقان على الخطوبة وفي نهاية الستة شهور كنت سأعقد عليها ولكن فوجئت برفض أبي وأمي بهذا الزواج والسبب هو اعتقاد والدتي بأنهم وافقوا علي لثرائي وبقيت في هذه الفترة في حيرة ما بين أن أترك خطيبتي التي عشت معها أسعد أيام عمري ولا أرضي والداتي اتخذت القرار الثاني وبعد فترة لا تتعدى شهر واحد قمت بخطبة أخرى وتزوجتها بعد شهر واحد حتى أنسى كل ما مضى
ولكن منذ هذا الوقت لا أستطيع النسيان حاولت كثيرا ولكن حبي لخطيبتي أكبر فكرت بأن أتزوجها على زوجتي ولكن فكرت في أن هذا ظلم لزوجتي مع الرغم أن زوجتي تقوم بواجبها على أكمل وجه وفكرت ثانية في الظلم لنفسي والظلم لخطيبتي أولى والظلم الذي أوقعوني فيه أهلي إني مؤمن جيدا بأن هذا قضاء الله ولا أعترض عليه ولكن منذ تزوجت حتى الآن وأنا أفكر فيها مع أن لا علاقة لي بها تماما ولا أراها منذ فترة طويلة وأعلم أنها رفضت الكثير من الخطاب ولكن لا أعرف هل تنتظرني أنا أم ماذا في ذهنها أنا في حيرة شديدة ولا أجد الراحة النفسية
بالرغم من استشارة أعز أصدقاء لي وقالوا الأفضل أن تنساها وتلتفت إلى مستقبلك وأنك سوف تهدأ تماما عند خطبتها من أي أحد
فهل هذا هو العلاج أم ماذا وجزاكم الله خيرا
28/3/2025
رد المستشار
أخي الكريم.. اخترت عنوان الإجابة عليك: شماعة ضغوط الأهل: الشاب أيضًا يتراجع، وقصدت به أن ما يُنسب دائما للفتاة من أنها تستجيب لضغوط أهلها برفض من تريد الاقتران به فإنه أيضا يحدث للرجل، وهو العنصر الأقوى بحسب الثقافة السائدة، وعموما دعني أرسم أمامك المشاهد التي وقعت وتقع لك من زاوية مختلفة:
أولاً: طبعا أنت الآن تدرك أنك تسرعت بالاستجابة لرغبة والدتك أو والدك أو كليهما بترك خطيبتك، وأتوقف هنا لأقول وأكرر ما نقوله دوما: إن قرار التراجع عن الإصرار على الطرف الآخر في علاقة ما، هو قرار تأخذه الفتاة أو يقرره الفتى ليستريح من الضغوط أو يحسم التردد، أو ليتجاوب مع ما يعتبره من مقتضيات "بر الوالدين"، وهي أكذوبة وشماعة وأسطورة سخيفة لماذا؟!
كررنا مرارا أن رفض الأهل إما أن يكون لعيب قادح واضح لا يختلف بشأنه اثنان، وهنا يكون على الشاب أو الفتاة مراجعة الموقف برمته، وإعادة الحسابات، والتردد هنا محمود، وتوسيع دائرة الاستشارة والحوار مطلوب، والتمهل مفيد، وإذا اتخذ الشاب أو قررت الفتاة المواصلة فالمسؤولية المعنوية تقع على كاهل الطرف الذي أصر رغم التحذيرات من عيب أو عيوب واضحة فادحة، وعلى حد قولك فإن هذا لم يكن هو الوضع في حالتك!!! فطبقا لروايتك:
* فجأة ساد ظن بأن أسرة خطيبتك وافقوا عليك لثرائك، وكأن هذا إذا حدث فعلا هو أمر مشين، وكافٍ لهدم علاقة، وجرح فتاة لا ذنب لها... إلخ.
وأنا طبعا لم أسمع من والدك أو والدتك، ولكن بحسب ما تروي فإن الاستجابة لهذا "الاعتقاد" كما تسميه لم تكن سوى ضعف، أو قلة حيلة، أو عجز عن الصبر ومواصلة محاولات الإقناع وتغيير وجهات النظر، أو السير قدما في إتمام الموضوع بعد استنفاد كل محاولات الترضية والتفاهم.
أنت في هذه تبدو المخطئ الوحيد.. واعترافك بهذا يُريحك، ولا أريده منك كمقدمة مناحة أو حلقة جلد للذات، وبكاء على ما فات، ولكن تحملك للمسؤولية هنا يعني أنك مؤهل للاعتماد عليك في بقية الخطوات.
ثانيا: أرجو أن يكون واضحا لك الآن أنك أيضا تسرعت بالدخول في ارتباط ثانٍ، ولم تبرأ نفسك من جراح فصم الأول، ولم تعط فرصة لعقلك أن يقتنع أو لقلبك أن يستقر، وظننت مثلما يظن الكثيرون أن هذا الارتباط السريع سيكون دواءً، ومقدمة للنسيان، وهذا الظن هو الآخر محض أكذوبة وفكرة خاطئة، وإن شاعت.
وكررنا مرارا أن من يخرج من علاقة عاطفية ما يحتاج إلى فترة نقاهة قد تطول عند البعض، وأنت لم تأخذ هذه الفترة قبل زواجك من زوجتك، وأم ابنتك وللأسف فأنت الآن تعيش في هذه الفترة بمشاعرك، ورغما عنك؛ لأنك لم تعشها بوعي، وكما ينبغي في حينه.
إن صدمة الانفصال عن الشريك مثل أية صدمة تحتاج إلى وقت بعدها لنعيش فيها مشاعر الحزن والفقد والانفصال والألم، وهذا حقنا كبشر، وقد حرمت نفسك من هذا الحق الطبيعي... فهل هذا أيضا كان بضغط من أهلك؟!
ثالثا: أصبحت أنا شديد الحساسية حاليا تجاه من يسيؤون الاختيار والتصرف ثم يقولون إنهم ضحايا لغيرهم أو أهلهم... إلخ، وأصبحت أشد حساسية وأعمق غضبا من الذين يعلقون أخطاء قلة خبرتهم، وعدم نضجهم على شماعة القضاء والقدر.
يا أخي الكريم... يا إخواني ويا أخواتي:
كل إنسان فينا هو حرٌ يختار لنفسه ما يريد، وما يحلو، والله سبحانه يعينه على ما يريده من صواب أو من خطأ إذا طلب العون: "كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ".
وقريبا صرخت في وجه صديق جاء يشتكي ظروفه وأحواله المتعثرة جدا، وفي وسط كلامه قال: لا أدري لماذا يفعل الله بي كل هذا؟! فانفعلت وقلت له: بل أنت فعلت ذلك بنفسك، وهكذا كل الناس يفعلون بأنفسهم الخير أو الشر، وقلت قبل ذلك إن الرضا والتسليم بما أصبح خارج إرادتنا لا ينفي قدرتنا على المزيد من المحاولة في المزيد من الاختيارات المسؤولة مستقبلا فيما يمكن أن يكون.
أرجوك يا أخي الكريم لا تقل: "هذا هو قضاء الله، وأهلي أوقعوني في الظلم"، ولكن قل إنك أخطأت مرة ومرتين وتدفع ثمن أخطائك، وحين تنظر إلى نفسك كشخص يختار ويتحمل نتيجة اختياراته يمكن أن تفعل شيئا، وتنجح في المستقبل.
رابعًا: أرجو أن يتبين لك أيضا أن الخطأ التالي هو ما تعيشه اليوم مع زوجتك، فهي لم تأخذ فرصتها الطبيعية في أن تتفاعل مع شخص طبيعي فيحبها ويتزوجها على هذا الأساس أو يكرهها ويتركها من البداية، إنما هي كانت مجرد دواء تناولته أنت بسرعة لتسكين آلامك الأولى، ثم لما لم تسكن الآلام قلت: هذا دواء فاشل، وأنا لم أنس، وآلامي لم تسكن.
طبعا يمكن أن تكون زوجتك روتينية بعض الشيء، وتزوجت لتنجب الأطفال... إلخ -كما تصفها أنت-، وكأن إنجاب الأطفال وتربيتهم مسألة سهلة، وتكوين بيت وأسرة ورعايتها ليسا هدفا للحياة!! ومهما كانت زوجتك مُقَصِّرة فلا أستطيع أن أثق في أحكامك عليها لأن نظرتك إليها ليست محايدة بل ملونة ومعبَّأة بإلهام الجرح القديم، وأنت تقارن بالتأكيد بين فتاتك التي تركتها واخترتها عن حب، وكانت بينكما قصة لسنوات، وكنت على علاقة حميمة بأسرتها... إلخ، وزوجتك هذه التي هي مجرد زجاجة دواء أو حقنة "مورفين" تناولتها لتسكين الألم، فلم يسكن، وأصبحت بالتالي عبئا ثقيلا عليك يحيرك!!
والأخرى صاحبة التاريخ المزدهر التي ترى اليوم أنك ظلمتها ما زلتْ تنتظر، ولم تقبل بغيرك، ولعلها تنتظرك، فقل لي بربك: كيف يمكن أن تكون أنت عادلا في معاملة زوجتك، أو النظرة إليها، حانيا في توجيه الملاحظات أو "التنبيه" إلى القصور؟!!
كيف يمكن أن تكون زوجا منصفا –ولا أقول محبا- وأنت ما زلت تعيش مشاعر فقد الأولى، والتحسر عليها، وعلى ما جرى منك تجاهها؟!!
خامسًا: أرى أن كلامي لك قد طال، ولكن في قصتك الكثير من النواحي التي تستدعي التعليق والتحليل،
وأرى باختصار أن تتبع الخطوات التالية:
1- أعط لنفسك فترة تتيح أمامك فيها مساحة من الحزن الحقيقي والندم على الخطأ الأول بفسخ خطوبتك من فتاتك، إن فتاتك تلك قد ذهبت إلى غير رجعة، لأنك إذا تقدمت لها من جديد لتتزوجها، فإنك سوف تتقدم إلى فتاة أخرى، وهي ستحسب أمورها بشكل مختلف، وستنظر إليك بمقاييس مختلفة، وقد توافق، وقد ترفض، وهذا حقها، فخذ فترة من البكاء والحزن والندم على فقدك لتلك الفتاة التي لن تعود أبدا كما كانت، على الأقل بالنسبة لك، لذلك أرجو أن تعتبر تلك التي تركتها من سنتين "مجرد ذكرى".
2- سيكون أمامك بعد ذلك الاختيار بين امرأتين: إحداهما تعرفها وعاشرتها... وهي زوجتك، وأرجو أن تعطي لنفسك الفرصة الكافية، والوقت والجهد للتعرف عليها حقيقة، وتدرس شخصيتها، وتتحسس تضاريسها بهدوء وتأمل، ومن الخبل مقارنتها بخيار ذكرى انتهت، وأنت لم تعاشر الأخرى لتعرف عيوبها -ولكل إنسان عيوبه- وما في ذهنك عن الأولى مجرد أساطير وجراح، ومشاعر بعضها خيالي وردي، وبعضها شعور عميق بالذنب، وفترة النقاهة التي تحدثت لك عنها في البند السابق مخصصة لدفن هذا كله لأنه انتهى عمليا، وفي المرحلة التي أحدثك فيها الآن أرجو أن تعيد اكتشاف زوجتك بحياد وبحب، وتأمل حولك لتبحث عن هذه الزوجة التي تقوم على رعاية زوج وأطفال بحق، ثم يبقى منها وقت آخر وجهد أو تركيز ليكون في حياتها "أهداف" غير ذلك!!
اللهم إلا بمساعد بل تشجيع وتضحيات من زوجها وأولادها يعطونها من حقوقهم عليها لتعطي غرهم شيئا، فهل أنت مستعد لمثل هذه التنازلات ليكون في حياة زوجتك أهداف أخرى غير رعاية شئونك أنت وابنتكما؟!!
كم ساعة في الأسبوع مستعد أنت أن تعطي فتجلس بالطفلة ترعاها، أو تقبل بوجبة مطبوخة بالأمس، أو تتغاضى عن بيت غير مرتب "بعض الشيء" لأن زوجتك تخدم أهدافا أخرى "لبعض الوقت".
أقول هذا لك وللكثيرين من الإخوة الذين يصدعون رؤوسنا بالشكوى من زوجاتهم "الروتينيات"، ومستعدون أن يعطوك محاضرة عن دور المرأة في المجتمع، وأهداف الحياة الأسمى من الطبخ والكنس، ثم إذا قلت له: هل أنت مستعد لدفع الثمن؟! وأغلب الظن أنه يعتقد أنها هي وحدها التي ينبغي أن تدفع الثمن!!
3- بعد أن تعطي زوجتك حقها وفرصتها الكاملة في مشاعرك وعونك، وتعطيها من التنازلات والتشجيع ما يدفعها إلى أن يكون لها في الحياة "هدف" غير الإنجاب والبيت، وعندما تفشل زوجتك في هذا الاختيار بعد توفير كل مقومات النجاح... عند ذلك، وعند ذلك فقط، يمكنك التفكير في أخرى، ويستوي عند ذلك التفكير في خطيبتك الأولى أو غيرها، وإن كان لخطيبتك عند ذلك الأولوية لأسباب مختلفة، وإذا قررت الاقتران بأخرى غير زوجتك فأرجو أن تتحمل المسؤولية هذه المرة، ومعنى هذا ألا تترك زوجتك بالطلاق فهي ليس لها ذنب في قصتك الأولى، ولا في تسرعك بالارتباط بها والإنجاب منها، وأرجو أيضا إن فكرت في الزواج الثاني أن تحسب أمورك جيدا، وتأخذ وقتك تماما في الموازنة والدراسة لأنك هذه المرة لن تجد أسرتك "تضغط عليك" لتلومها بعد ذلك، ولن يكون منصفا أن تلوم زوجتك الحالية بوصفها دفعتك لمثل هذا الاختيار؛ لأن هذا ليس صحيحا، وتابعنا بأخبارك سواء اقتنعت بهذه الإجابات الجديدة أو لم تقتنع.. وأهلا بك دائمًا.