السادة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرسل لكم باستشارة أستحلفكم بالله تعالى أن تجيبوني وتردوا على تساؤلي؛ فأنا في حيرة من أمري، والله إن الموقف لرهيب...
ابتداء أنا شاب في التاسعة والعشرين من عمري من عائلة متدينة وأعمل بوظيفة جيدة، وقد تكون -كما يقال- مركزًا مرموقًا، تعرفت منذ فترة كبيرة على فتاة أعجبتني، وأحببتها حبًا شديدًا، ولكن لسوء حظي تمت خطبتها إلى ابن عمها وهو يعمل أيضًا بوظيفة جيدة جدا، وبطبيعة الحال لم أستطع عمل شيء وابتعدت كل البعد.
في نفس الوقت لم أستطع نسيانها مطلقًا، ولم أستطع أن أرى فتاة غيرها بالرغم من أنه عرض عليّ العديد من الفتيات من هن أكثر جمالاً في نظر الناس وليس نظري...!.
شاءت الأقدار أن يتم فسخ خطبتها منه، والله يعلم أنه لم يكن لي أي دخل أو يد في ذلك وهنا سنحت لي الفرصة أن أتقدم لها.
وللعلم هي فتاة من المفترض أنها متدينة وظاهر ملبسها متدين ومحترم، وهي على خلق كما عرفتها وترتاد دروس تحفيظ القرآن والمساجد (وأنا لست بالشاب الذي ليس له تجارب سابقة أو قد تخدعه المظاهر والأسلوب المصطنع).
عرفتها في جميع الأحوال قبل أن تكون ملتزمة ومرتدية الحجاب منذ سنين عديدة، كانت جيدة ينقصها الالتزام حتى إنها هي من كانت تبحث عن الالتزام بذاتها دون محرك لها (أعلم بأن مرآة الحب عمياء).
ولكن حتى لا أظلمها أو تظلموني فلتعرفوها كما عرفتها، وهنا بالله أستحلفكم ورب السماوات السبع ورب العرش العظيم أن تجيبوا تساؤلي، وترحموا حالي؛ فأنا -يعلم الله- لم أذق طعم الزاد منذ أيام، ولقد جافى النوم عيوني، والله أحاول أن تكون مفتوحة حتى لا أتخيل هول ما سمعت...
عندما أخذ الوضع صورة جدية وتباحثنا في أن أتقدم لأطلب يدها من أهلها، وهم -كما سألت عليهم عائلة محترمة- ويسكنون بحي راق ووالدها رجل ملتزم يحافظ على صلواته في المسجد ووالدتها امرأة جيدة والعائلة والوضع العام والمناخ المحيط حسن.. (أصرت) على أن تخبرني سرًا لا يعلمه إلا الله حتى أمها لا تعلم.
بالطبع بدأت الصورة تشوش في نظري وبدا التوجس يملأ خاطري فأحسست بالمصيبة نعم.. إنها فقدت عذريتها، والله عندما استدرجتها في الحديث، وهي لا تستطيع أن تتكلم وتتلعثم الكلمات في شفاها وأخبرتني بأنها رافقت في فترة مضت رفيقة لم تعرف بأنها فتاة منحلة إلا بعد أن جالستها للمرة الأخيرة في منزلها (منزل تلك الفتاة) ووجدت جوا غير عادي؛ فقد كانوا يجتمعون هم وأصدقاؤهم دوما، ولكن في هذه الليلة كما وصفت لي كان هناك شيء جديد، حيث كان هناك سجائر يشربها شباب -أصدقاء تلك الفتاة- وكانت بها مخدرات و.... سريعا، وهي تحلف لي بأنها لا تتذكر كيف حدث هذا...
وكانت المرة الأخيرة التي تعرفهم، ولكن هيهات ينفع الندم، والتزمت بيتها ومحيطها تستغفر الله عما حدث وأن يسترها الله، كانت في تلك الفترات أكثر الفترات تقدما في الالتزام حتى كانت بالشكل الذي هي عليه الآن من البيت للعمل إلى البيت لدروس تحفيظ القرآن الكريم إلى البيت... وأنا أثق فيما أقول (والله أعلم).
ومن العجيب بعد أن انصرفت وأنا في حالة من الذهول والله وحده يعلم ما ألمّ بي سمعت قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: {وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيما}.. والله ما زادت وما نقصت عما سمعت فبعد الترهيب والوعيد المغفرة والرحمة.
** إني أرى أنه مهما كانت الظروف المحيطة التي مرت بها من عدم تقبل خطيبها السابق وضغط أهلها -وقد كانت ظروف صعبة حتى إنها عانت نفسيًا ودخلت المستشفى- فلا مبرر لأن تلجأ إلى أصدقاء السوء مما لا يعفيها من أنها ذهبت بنفسها إلى ذلك المصير الأسود دون إكراه.
** إنني لأحترم شجاعتها وصراحتها لإخباري بما لم تخبر به حتى أمها.
** كما أنني أخشى لو تسامحت وقبلت بسترها (ستر عرض امرأة مسلمة) من عواقب ستحدث، وقد حدثتني نفسي بأنه من منا ليس له أخطاء مع تفاوتها، وأنا أول من يعترف بأخطائه وكنت مدافعًا دوما عن المذنبين وأرجو لهم فرصة أخرى، ولكن هناك عواقب أخشاها فهل سأحتمل أم لا؟!!!...
** كما أنني أخشى ما توعَّد به الله تعالى العصاة خاصة أهل الكبائر مثل قوله صلى الله عليه وسلم "بشر الزاني والزانية بالفقر ولو بعد حين"، إلى غير ذلك من أحاديث.
** كما أنني سألت أحد المشايخ ولكن لم أستطع شرح ما قلته لكم، إلا أنني متقدم لطلب يد فتاة وصارحتني بفقد عذريتها؛ فأجابني بالرفض لذلك الارتباط؛ لأني لن أستطيع العيش معها.
** هي تثق بي جدًا وتعتبرني المنقذ لها (ليس المغفل) ولم تصر علي أو تلح، بل تركت الباب أمامي للخيار بقبول الوضع... كم هو مؤلم أن تكون في مثل موقفي ذلك؛ فبعد أن أحببت بشغف لـ8 سنوات.. أرى ما أرى.. والله هذا موقف لا أحسد عليه.
** إني أرى أن سؤالي في حد ذاته هو قبول لسترها، وفي نفس الوقت هناك الخوف من عدم القدرة على التسامح والمغفرة.
** في نفس الوقت أمهلتني أسبوعا للرد والتفكير بناء على طلبي، وهي لا يد لها ولا حيلة.
إخواني بالله عليكم ساعدوني في حل مشكلتي؛ حيث إن هذه المشكلة لا أستطيع طلب المشورة فيها من أب أو أم أو أخ أو حتى صديق يعلم الله ما بي؛
فبالله عليكم أغيثوني.
7/1/2025
رد المستشار
ولدي:
حين قال سيدنا المسيح عيسى ابن مريم لأصحابه: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.. كان يشير إلى أحد المعاني الإسلامية الجميلة، وهي الرحمة والشفقة بالمذنب التائب.. أو كما تقول الآية: "كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم..."، وأخيرًا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: حين تم رجم الغامدية الزانية: لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة -وقيل أهل الأرض- لوسعتهم.
هذه مقدمة أذكرك فيها بطبيعتك النبيلة التي تأدبت بها منذ أكرمك الله بمعرفته:
وقد حدثتني نفسي بأنه من منا ليس له أخطاء مع تفاوتها، وأنا أول من يعترف بأخطائه، وكنت مدافعًا دوما عن المذنبين وأرجو لهم فرصة أخرى.. لا تخش مع فضل الله عاقبة ولا تخف من فقر ولا فاقة.
إن التائب من الذنب يا ولدي كمن لا ذنب له وبقولك أنت -وليس ما تقوله هي-: إنها قد تابت وحسنت توبتها وصلح إسلامها بعد هذه الزلة...
لا يعنيني كلام أحد ولو كان من المشايخ... فهذا ليس حكمًا في شريعتنا، هو اجتهاد.. رأي لنا أن نقبله أو نرفضه... والزاني الذي تتحدث عنه هو من يستمرئ ما يفعل ويستمر عليه هذا هو من يتوعده الله بالفقر والفاقة.
وتعال معي نتكلم بهدوء... هل لو سافرت إلى دولة أجنبية وأعجبتك فتاة ووجدت منها ميلا نحو الإسلام فأعنتها أن تسلم ووفقك الله إلى ذلك، ثم شعرت تجاهها بميل. أفلن تتزوجها سعيدا فخورا؟؟ هذا يحدث منك ومن غيرك.. بل عادة نشكك نحن خبراء الاجتماع في نوايا هؤلاء البنات في الإسلام للحصول على زوج.. وننتظر أعوامًا لنرى هل فعلا حسن إسلامها واستقام أم لا.. ولكن هذا الشاب الذي كان سببًا بعون الله على هدايتها يكون أكبر مقتنع بها... ويكون سعيدا بزواجه منها هو وأهله.
أليس كذلك يا ولدي؟ طيب.. هل هناك ذنب أسوأ أو أقبح من الكفر؟؟ بالطبع لا.. أيضا ألم تكن تلك الأجنبية تصادق وتعايش وتعاشر شبابًا من ملتها قبل إسلامها؟؟ هل نحاسبها على ذلك؟ ولماذا لا يرفضها أي إنسان بل نستقبلها بأكاليل الغار والفخر؟؟ ألأنها أجنبية؟؟
هذه الفتاة الطاهرة النقية التي أذنبت -ومن منا بلا ذنب- وكان لديها الشجاعة والكرامة ألا تخدعك، وقد كانت قادرة على ذلك خصوصا بعد فتوى حِل عمليات ترقيع غشاء البكارة؟... هذه الفتاة هي المثال الجميل للطهر والتقوى، ولا أزكي على الله أحدًا.
إن كثيرًا من الفتيات -وبلا توبة حقيقية أو ندم فعلي- يقمن باللجوء إلى عمليات الترقيع لتتزوج بكرًا جميلة لطيفة.. وتدخل بجريرتها على زوج مخدوع... هل كنت تفضل أن تكون كذلك، ويقول عنك من يعرف قصتها: مبروك عليك "السلطانية"؟؟؟.
يا ولدي.. لو لم يكن بينكما حب ثماني سنوات، وكان الأمر مجرد خطبة عادية لإنسانة اقتنعت بها ورأيت فيها كل صفات زوجة المستقبل لنصحتك أن تتزوجها.. فما بالك وقد أحببتها وأحببت جميل صفاتها.
لا ألومك على الشعور بالمفاجأة المرعبة المخيفة...... ولا ألومك على قلقك وترددك، ولكنى سألومك لو آثرت أن تكون مخدوعًا. فتكتم عنك، وبعملية بقروش بسيطة تشعر أنك أول من قطف الثمرة والثمرة أساسا معطوبة منذ زمن.
لا يستطيع إنسان أن يخدع الناس سنوات وأنت تعرفها لفترة طويلة وعملت معها وخالطتها.. هل رأيت ما يشوبها؟؟ بنص كلماتك هي فتاة ملتزمة جادة ترتاد دروس الدين وتعمل في خدمة المجتمع.
وإذا كنت تتصور أني أميل إلى إنقاذ البنات وتزويجهن بأي وسيلة فراجع ردودي على مشكلات مثيلة لتعلم أني جادة جدا بل وسعيدة جدا، وأنا أقول لك لا تدع هذه الجوهرة تفلت من يدك... ولا تضرب صدقها في مقتل... ولا تقنطها من أخلاق الرجال... فقد كانت هي رجلا بصفات الرجولة، وارتفعت إلى مستوى المسؤولية.
واقرأ أيضًا:
خانتني وتابت.. وعفوي لم يطفئ نيران الشك
مذنبة تابت.... لا أنثى نجسة
بداية طريق النور!