الإنسان يقترن بزمانه ومكانه ويتغير بتغيرهما، ولا يمكنه أن يكون ابن زمانٍ آخر أو مكانٍ آخر؟!!
فالإنسان اليوم هو ابن القرن الحادي والعشرين، ولا يجوز أن ننسبه إلى قرنٍ آخر من القرون الماضية أو الآتية، وإنما حقيقة الحياة وإرادة الدوران المتحكمة بالوجود الأرضي، تقضي بالتغيرات والتبدلات المتجددة اللازمة لديمومة الحياة، وانسياب تيارات بقائها وصيروراتها المتلاحقة المتوالدة المتفاعلة الواعدة.
فلا يمكن للأرض أن تسمح بوضع الحياة في زوايا حادة خانقة مغلق، وإنما قوة دورانها تطحن الموجودات وتذيبها وتُفاعِلها وتجدّدها، وتمنعها من تنفس الهواء الفاسد والثبات بذات البقعة المكانية والزمانية. فكلّ موجود أرضي مهما كان نوعه، هو ابن زمانه ومكانه الذي هو حي فيه، ولا تسمح إرادة الحياة وقوة الأرض بالثبات والسكون والتجمد، لأن في ذلك يتحقق التفسخ والإتلاف الحتمي.
والأفكار موجودات أرضية أيا كان مصدرها ومنبعها، حتى وإن كانت دينية أو سماوية أو من وحي قوة ما، إنما تكون مرهونة بمكانها وزمانها، وقد تتفاعل مع الإنسان لأنه مخلوق من فصيلة واحدة، لكنها تخضع لقوانين الدوران وأولويات العلاقة بين المكان والزمان الذي وجدت فيه، وكلما تقادم عليها الزمان تفقد الكثير من درجة صلاحيتها وقدرتها على التوافق مع متطلبات الحياة، وتطلعات الإنسان في أي عصر غير عصرها، وهذا يعني أن التجدد من ضرورات بقائها والتحجر من أسباب تفسخها وانقراضها، وأن جميع العقائد والأفكار عليها أن تتوافق مع قوانين الحياة وضوابط الدوران، ومنهج التجدد والتقدم الرقاء وتعزيز البقاء.
ولهذا تجدنا اليوم في مأزق أخلاقي وفكري وعقائدي، وتفاعلات إتلافية تدميرية لواقع الحياة، بسبب انحشار الناس في مفاهيم عتيقة، وتصورات بالية يريدون فرضها على غير عصرها ومكانها وبشرها، وهذا يتسبب في ويلات وتداعيات مروعة وفظيعة. فالكتب السماوية مهما كانت قوية وصادقة وشاملة في تعبيرها، إنما هي ابنة مرحلتها، ولا يمكنها لكي تبقى إلا أن تعاصر وتتجدد من خلال الاجتهاد، والفهم المعاصر لما فيها من الرؤى والتصورات، فلا يمكن القول بأن ما جاء في الكتب السماوية ينطبق تماماً على العصر الحالي، وبما أن الكثير مما فيها قد فقد دوره وتفاعله مع العصر، فلا بد من قدرات عقلية واعية تساهم في تجديد الرؤى وعصرنة التفكير والتفاعل مع الزمن الذي نحن فيه.
وهذه معضلة تواجه جميع الأديان وبعضها أدركها وتواصل وتجدد، والبعض الآخر تحجر وتقدد وتعدد ودخل في ظلمات النفي والاجتثاث، مما أدخل أصحاب الدين الواحد في متاهات باطلة، ودفعهم إلى مسارات انتحارية انقراضية متنامية، بينما المطلوب من جميع الأطراف النظر إلى واقع الأفكار والمعتقدات بعيون العصر، والتفاعل المنهجي الواعي مع تطورات الحياة ومستلزماتها المتجددة.
وعليه فأن المتزمتون المنقرضون، فالأديان جاءت لتنظيم الحياة وتحقيق التفاعل الإنساني الرشيد فيها، وإن كانت غايتها كذلك، فعلى الجماعات المنغلقة المتكهفة أن ترعوي وتستعيد رشدها، لا أن تنزوي وتتمادى في غلوّها وعتيق تصوراتها.
فهل أن الأديان مستنقعات راكدة أم أنهار جارية؟!!
واقرأ أيضاً:
الديمقراطية والبراكماتية!! / بَشَرْ؟!! / العقيدة العلمية الغائبة!! / التحريض والانتقام!!