الثورة السورية وحدها جعلت أغنية "أنا سوري يانيالي" تعبّر عني، بعد مقالي القديم عنها المنشور في عام 2004: لمــاذا "أنــا ســوري يا نيّــالي"؟!
حكــم البــابــا
لا أعرف لماذا يستفزني "اسكتش" (أنا سوري يانيّالي) الذي يحسد فيه الممثل عبد الرحمن آل رشي السوريين على سوريتهم، منذ ظهوره قبل أعوام في التلفزيون السوري وحتى اليوم، مع أني آخذ الاسكتش كلما سمعته على أنه نوع من الأناشيد الحماسية المطلوبة لملئ فترات بث روتينية في احتفالات التلفزيون بالأعياد الوطنية ليس أكثر، إلاّ أن ذلك لا يمنعني من سؤال نفسي: لماذا أنا سوري يا نيّالي؟
وأبدأ بالتفكير بجدية في الأسباب التي تدفعني كسوري لحسد نفسي إلى الدرجة التي يتم فيها تكليف شاعر بكتابة اسكتش وملحن بتلحينه وفرقة بأدائه ونجم ومنشدين فضلاً عن مخرج وكادر فني وتقني لتصويره، فلو تجاوزنا مسألة الجنسية والمواطنية التي تدفع أي مواطن في العالم للاعتزاز بانتمائه لوطنه وليس السوريون فقط، لابد من وجود أسباب أخرى تدفع السوريين (وليس غيرهم) لحسد أنفسهم على حياتهم، فأنا أستطيع أن أقدر مثلاً توليف اسكتش يحسد فيه الأمريكيون أو الفرنسيون أو السويديون أنفسهم على جنسياتهم، فبإمكان أي من هؤلاء أن يقدم قائمة طويلة بمميزات الحياة المرفهة التي يعيشونها بجد، بغض النظر ما إذا كانت هذه الرفاهية بنيت من دماء الشعوب المقهورة كما يصفها عادةً ما تبقى من الرفاق الشيوعيين، ولكن ما هو رد أي سوري لمن يسأله:
ما هي الأشياء التي تحسد نفسك عليها إلى الدرجة التي تقف وفي وسيلة إعلامية بحجم التلفزيون، وليس في اجتماع حزبي داخلي، لتصرخ بملء فمك: أنا سوري يا نيالي؟! ولو تجاوزنا شخصين هما المعلق السياسي السوري الدكتور عماد فوزي الشعيبي، والنائب اللبناني ناصر قنديل اللذان سيجدان بديهة مطواعةً ولغة فكهةً (مع اختلاف أسلوبيهما) للرد الفوري على هذا السؤال، لن نعثر بين الـ 18 مليون سوري من سيجيب بسهولة على هذا السؤال الصعب، وربما بدافع من عصبية قومية سيتأتى ويفأفئ طويلاً قبل أن يعثر على أي جواب، وسيستعين بلفظ الجلالة في صياغة جملته بين الكلمة وأختها، فإن شاء الله سأحصل على بيت، وبإذن الله سأجد عملاً، وسبحان الله كيف مضى هذا الشهر، والله بيدبرها، لا بسبب خلفية دينية إنما لأنه بدون مشيئة الله لن يتمكن سوري من الاستمرار في الحياة، فالدخل الشهري للسوري لا يتعدى المائتين دولار في أحسن أحواله، وشراء منزل في أمريكا أرخص من شرائه في دمشق؛
وعلى عكس العالم السيارة في سورية يزداد سعرها كلما قدمت سنة صنعها، وتكلفة دقيقة الحديث في الموبايل هي الأغلى بين الدول العربية، وكل ما في البلد قديم ينتمي إلى الماضي: الشوارع والأبنية والسيارات والشعارات والإعلام، وكلمة ممنوع أكثر الكلمات تداولاً، والفساد هو الذي يحرك الحياة، فلا يشق طريق، أو يشيّد جسر، أو يفتح نفق، أو يعلو بناء، أو تمر معاملة ما لم يكن لأحد مصلحة ما، أو يدخل في جيب ما مبلغ ما، والدوائر الوحيدة التي تعمل بجد وتنشط بدون كلل أو ملل هي أبنية المخابرات، والناس تضيف إلى طعامها توابل الشعارات لتشبع، وحلم الوحدة العربية وتحرير فلسطين ومعاداة الاستعمار لا يراه إلا السوري العادي فيقاسمه لقمته، بينما يغيب هذا الحلم (سبحان الله) عن منامات المسئولين السوريين فيأكلون لقمتهم كاملة، ومع ذلك فالسوري يدبّر رأسه بإفساد حياته مرة، وإفساد حياة الآخرين مرة ويعيش، مثله مثل شعوب عديدة، لكن الفارق بينه وبين تلك الشعوب أنها لا تملك أغنية من نوع (أنا سوري يا نيّالي) تحسد فيها نفسها على حياتها التعسة!
قبل أن أنهي وإحقاقاً للحق لابد أن أذكر أن المسئولين السوريين وأبنائهم، وأثرياء الخط العسكري بين دمشق وشتورة، ومليونيرات الوحدة والحرية والاشتراكية من حقهم أن ينشدوا (أنا سوري يانيّالي)، ويانيّالهم فعلاً، لأنه مامن بلد يمكن أن يجعلهم يحسدون أنفسهم بمثل هذه الطريقة غير سورية!
(دمشق)
جريدة النهار اللبنانية 15/12/2004
• أ/ حكم البابا
• الآن أنا سوري آه يانيالي أو يا شحاري!!!!!!!!
واقرأ أيضاً:
نـفسي وهـذا العـــيد.. تبعاتٌ نفسية/ أسرتي صامتةٌ.. لكني أعشق حديثها!/ برنامج ((خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ))/ الدقائق الأخيرة من شهر رمضان تنسحب بصمت/ فن الصبر/ الصمت أيام الصراخ (الثورة)
التعليق: صحيح أنه لا ينفع الإنسان إلا عمله...، لا تنفعه أرضه، ولا نسبه، ولا ماله....، ولكني أتحدث عن نعمة من نعم الله وهبني إياها، فأسأله تعالى أن يعينني على شكرها... يكفيني لكي أقول مئة "يا نيالي" أنني في خيرة بلاد الله، التي يجتبي إليها خيرته من خلقه..
يكفيني دعاء سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لهذه البلد، وأن عمود القرآن فيها..
يكفيني أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بالمجيء إليها عندما تقوم الفتن...
يكفيني أن الله تعالى اختارها لتكون مهبط نبيه عيسى عليه السلام...
يكفيني أنها أرض الرباط..
لطالما حسدت نفسي أنني ولدت في مكان يشتهي كثير من الصالحين في الأرض سكناه،
يكفيني....، ويكفيني....
ألا يكفيني كل هذا لأقول: يا نيالي؟؟؟؟
وأما ما في سكناها من متاعب، فماذا تريدون من أرض الرباط؟ وفي النهاية العاقبة للتقوى، وما سواها زائل مسرة كانت أم غيرها..