اليأس والأمل... والثورة التونسية
أشرق صباح الخامس والعشرين من يناير على مصر المحروسة، استيقظت لأقضى يوم إجازتي الموعود، في العاشرة والنصف صباحا، صحيت براحتي بقى عشان أجازة يعني "... كما نقول بالعامية المصرية" قمت متأخرا من نومي لأنه كان يوم إجازة رسمية كأي يوم اجازة عادي، كان هذا اليوم قد من به علينا الطاغية المخلوع احتفالا بعيد زبانيته (عيد الشرطة) كما يوصف في الإعلام، فتوضأت وصليت الصبح بعد أن فاتني كفجر، وبدأت أمارس حياتي وأنشطتي المعتادة في أي يوم اجازة اقضيه.
أبدأ بالقرءان ثم اقرأ الصحف وأشاهد "الجزيرة" وأتصفح الفيس بوك وأسمع الموسيقى، وكنت قد رتبت مع بعض أصدقائي المقربين -بكار وتيتو ومحمد عباس (عضو ائتلاف شباب الثورة فيما بعد) وعز "وكلهم من الإخوان" ومن أحب الناس إلى قلبي-، كنت قد رتبت معهم أن نتقابل لنشارك في مسيرة مناهضة للتعذيب في أقسام الشرطة وسلخانات الداخلية الذي يمارس بحق أبناء الشعب المصري خصوصا المعارضين للنظام، ولأننا كإخوان أول من يعنيه أمر التعذيب في مصر فقد كان الأمر بالنسبة لنا أمرا في غاية الأهمية، اتفقت معهم على أن أقابلهم في شارع جامعة الدول العربية في منطقة المهندسين بالقاهرة.
دقت الساعة الثانية عشرة ظهرا، فاتصلت بصديقي "وأنتيمي" كما نقول نحن المصريون لنذهب سويا إلى التظاهرة، إلا انه اعتذر عن الذهاب معي على أن يلحق بي فيما بعد هناك، أتوقف هنا ردهة من الوقت ونعود بالزمن قليلا إلى الخلف، قبل الخامس والعشرين من يناير بشهر تقريبا حيث بدايات الثورة التونسية المجيدة، التي بدأت بقصة البوعزيزي المؤلمة ومن ثم احتجاجات مدينة سيدي بوزيد وانتقالها من مدينة إلى مدينة حتى وصلت الاحتجاجات إلى العاصمة وتحولت إلى ثورة في تونس كلها وسقط على إثرها طاغية قرطاج بن علي الذي أذاق أهلنا في تونس سوء العذاب.
لم نكن نصدق أنفسنا من الفرحة بسقوط نظام بن علي، لم أكن أتخيل أنه من الممكن أن تسقط الأصنام في بلادنا أبدا، فرحتي بسقوط نظام بن علي كانت أشبه بفرحة أم ضاع منها ابنها ثم عثرت عليه فكأن الدنيا كلها جاءت إليها في هذه اللحظة، ثورة تونس أحيت فينا الأمل، فقد كان كل شيء في بلادنا يبعث على اليأس، فقد كنا فقدنا الأمل في التغيير والإصلاح من كثرة ما كنا ندعو الناس إلى الأمل والصبر والعمل من أجل التغيير والإصلاح ولا يستجيب لنا أحد.
نجح الطواغيت في بلادنا أن يزرعوا فينا التناقضات، فقد كنا نحيي الأمل في نفوسنا لكن في نفس الوقت كنا نشعر من داخلنا ببعض اليأس وخذلان الناس لنا ولبلادهم ولأنفسهم قبل كل شيء، تبشرنا خيرا بثورة تونس، وهب إلى أذهاننا حلم انتقال الثورة في تونس إلى مصر، فكنا نحلم ونحلم ونحلم بهذا، لكن عندما كنا ننظر إلى الواقع يعود إلينا اليأس وفقدان الأمل في أن يتحرك المصريون.
نعود إلى يوم إجازتنا الموعود، كان عندنا شعور خافت أن يوم 25 ربما يصبح شرارة الثورة المصرية لكن هذا الشعور كان خائفا من الخروج من رحم الواقع وما كان له أن يكبر بسبب طغيان اليأس بداخلنا، بعد اتصالي بمحمود قمت بالاتصال بتيتو لأؤكد على الموعد ومكان اللقاء مع أصدقائي، فقال لي أن أمن الطاغية المخلوع قد أغلق شارع جامعة الدول العربية وقد نوينا التوجه إلى مكان آخر نتجمع فيه ونحاول أن نجمع معنا الناس من حولنا ليشتركوا في التظاهرة، ثم أردف قائلا "اتصل بعز فعنده تفاصيل الموقف" فاتصلت بعز ورد علي وكان أصوات الهتافات تتعالى من حوله فقال "احنا هانتجمع أسفل كوبري بولاق الدكرور الآن فالحق بنا".
ارتديت ثيابي بسرعة وتأهبت للنزول ولكن متأخرا كعادتي السيئة التي أجاهد للتخلص منها، هرولت بسرعة كي ألحق بهم وبيني وبينهم مسافة تقطع من الوقت حوالي 45 دقيقة فركبت السيارة وكنت أتابع مكانهم عن طريق الاتصال المستمر بعز ولما وصلت إلى مقربة من مكان التقائي بأصدقائي ركبت تاكسي، وأثناء ركوبي التاكسي دخلت في حوار مع سائق التاكسي الذي بادرني قائلا: هو انت عايز تروح عند المظاهرات يا بيه؟!، فاجئني السؤال!!، فقلت في نفسي هو اليوم مسمع للدرجة دي أن حتى سائق التاكسي عارف!.
ومن السؤال استشعرت أنه ربما يكون من أعوان امن المخلوع فقلت له لا..... أنا أريد أن اذهب لصديق لي في شارع التحرير بالدقي، ثم قال لي "وهما عايزين إيه من المظاهرات دي يا بيه ؟!! البلد دي عمرها ما هاتتصلح" استفزتني الكلمة!، فأخذت أرد على شبهاته وأحاول إقناعه بأن لا بديل عن الإصلاح وأننا من الممكن أن نصنع التغيير بأنفسنا!!، إلى أن وصلنا إلى شارع التحرير الذي في نهايته ميدان التحرير، وصلت إلى ش التحرير وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها إطلاقا...
واقرأ أيضاً:
قذائف الحق: عباس باع أرضه/ جامعة القاهرة... اختراق يؤدي إلى احتراق/ مستشفى الطلبة.... كابوس الطلبة/ بغداد التي كانت........../ عن حزب الله والثورة السورية... أتكلم!!