الكاتب: وضاح الخطيبالبلد: مصرنوع العمل: قصة قصيرةتاريخ الاضافة 31/12/2007 تاريخ التحديث 23/07/2019 20:17:10 المشاهدات 2651 معدل الترشيح
زارتني في مكتبي صديقة لي، دخلت مسرعة وجلست متعجلة كأنها تخشى أن يمر الوقت وتنسى ما تريد قوله، أخرجت من حقيبتها النسائية الخشنة الموبايل وأغلقته، سألت هل يمكن لك أن تغلق هاتفك المتنقل أو تضعه على نغمة الصمت إن أمكن، قالت ذلك بعجله من أمرها، وفعلتُ أنا كما أرادت، فقد فهمتُ -وأنا أحترمها كثيرًا- أن هناك أمر يستوجب هذه الاحتياطات.
فاجأتني بسؤال (لماذا!؟)، لم أفهم.. بقيتُ صامتًا منتظرًا أن تكمل حديثها!!! واستطردت... أليس من ألأفضل دائمًا أن نخرج ما بداخلنا من مشاعر، فقد تقع كارثة أو كوارث لو ظلنا متكتمين أجبتها: آمنت بهذا وعملت على تطبيقه، وأدعو باستمرار للتحلي بهذه الصفة بين الناس. لا أدري إن كانت تسمعني أو تبغي سماعي فقد استطردت وأكملت حديثها: إن كثيرًا من الناس يزهدون في الدنيا، لا يسأمون، ولا يبكون. أجبت: هؤلاء يكتفون أن يدعوا الوقت يمر. قالت بحزم ونبرة تساؤل:أتعقد أن هؤلاء لم يواجهوا الحياة ولا تحدياتها؟ ولم تتحداهم هي!. أجبت: إني والأمل صديقان، وعليكِ أن تهُبِّي وتتحركي لمواجهة الحياة، لا تستسلمي أبدًا. قالت وهي تصوب نظراتها لجهة عيناي بقوة: إن كان لك ماضٍ وأنت غير راض عنه، ماذا تفعل؟ أجبت: أن انسيه الآن، نعم الآن.
عدلت من جلستها، وكأنها تلقت ضربة لم تتوقعها.. أصلحت من جلستي أيضًا، وعدنا للحديث بهدوء، كأن الذكرى، كأن الموقف، كأن القرار أصبح سفينة تحملنا إلى الأحلام. أزاحت صديقتي يدها اليمنى لتداعب شعرها المنسدل بنعومة على كتفها وقالت موجهة كلامها لي أو هكذا خُيل إلي: قلما يملك الإنسان القدرة على اتخاذ القرار. لم يعجبني قولها، ولأظهر ذلك، وضعت رأسي بين كفي ونظرت للأرض أو في عالم بعيد جبت. ثم رفعت راسي وسددت نظراتي إليها بإحكام وقلت بنبرة العارف: يستطيع الإنسان أن يتصدى لقدره، وقد يكون أحيانًا لا يملك القدرة على اتخاذ القرار ولكن غالبًا يكون قادرًا و لكن إذا انتصر جُبنَه وخوفه وضعفه فيخر صريعًا مستسلمًا لقدره،وعندها يختبيء خلف مقولتك هذه. قالت وهي ساهمة، وشعرتها تترنح تحت وابل ضربات كلامي، أحسستها غائبة لا أدري أتحدث نفسها أم تحدثني، سمعتها تقول قرأت ذات مره جملتين، كنَّ بالحقيقة سؤالين؟: (هل خُلِقَ الإنسان ليخون قدره؟؟)، (وهل يستطيع الإنسان أن يتصدى لقدره؟)
واستمر الجدال واحتدم النقاش بين صديقتي وبيني، وكنت صديق الأمل وكانت تصبو بقوة أن تصبح صديقة الأمل، كل منا يحاول أن يفهم الآخر، كل منا يحاول أن يساعد ألأخر بطريقته وحسب قناعته.وكل منا يترنح من ضربات الآخر فقد كنت دومًا مؤمنًا أن على الإنسان أن يتخيل دومًا قصة جديدة لحياته، إذا لم يكن راضيًا عن ماضيه.لم يتمترس أيًا منا خلف قناعاته، تبادلنا الرأي وقبلنا الآخر بقناعة واحترام.
واتفقت مع صديقتي : أنه إذا حصر الإنسان اهتمامه فقط باللحظات التي وُفِقَ فيها بالحصول على مراده وما يشتهيه، فإن هذه القوة تساعده على نيل كل ما يريد ارتاحت صديقتي إلى ما خلص إليه نقاشنا وحديثنا.......
بهذه اللحظة اقتحمت صغيرتي سكون اللحظة ودخلت الغرفة تنادي وتلح في طلباتها، تضحك وتحرك يديها ببهجة، نظرت إليها صديقتي وقالت إنها طفلة سعيدة: واتفقتا أن الطفل الصغير غير الناضج قادر على تعليم الكبار الناضجين عدة أشياء ثلاث منها هامة ورئيسية: الإحساس بالسعادة دون سبب -الانشغال بشيء ما- معرفة أن يطلب بكل قواه ما يرغب به. وقالت صديقتي أن ما دفعها للقدوم اليوم أنها قرأت موضوعًا لشخص تتابع كتاباته قال فيها: إن تأخير موسم القطاف يؤدي أن تهتريء الثمار، فعندما نؤجل المشاكل تزداد تفاقمًا. (ما أروع هذه الحكمة)