"مابيعرفش يوقفها!" جملة ساخرة شهيرة تطلق على من لا يجيد التعامل مع أي تكنولوجيا أو ماكينة أو أي شيء يتحرك، انطبقت الجملة تماماً على أحد المواقف التي مررت بها مؤخراً. فبعد الانتهاء من أحد المؤتمرات القيّمة التي تنظمها الهيئة القبطية الإنجيلية في مقرها بالنزهة الجيدة في أقصى شمال القاهرة، ركبت ومعي عدد ممن حضروا المؤتمر "الميني باص" الذي أقلنا من ميدان رمسيس إلى مقر الهيئة لإعادتنا مرة أخرى إلى وسط القاهرة. تحرك "الميني باص" ببطء وانطلقت معه الأحاديث الجانبية، كان يجلس بجواري أحمد مصطفى أحد المشاركين في المؤتمر من وزارة الثقافة، وخلفي الشيخ "شاهر" وهو رجل أزهري صعيدي الأصل ومستنير إلى حد كبير فضلاً عن شغفه الواضح بالعلم والانفتاح على الثقافات المختلفة، وفي المقعد الأمامي للسيارة جلس القس "ماجد سمير" –مجرد تشابه أسماء بيننا– راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا الخيمة، فضلاً عن عدد آخر من الزملاء والزميلات المشاركين في المؤتمر.
واستمرت السيارة في السير البطيء، وبعد عدة أمتار قليلة وجدنا يوسف –مسؤول العلاقات العامة بالهيئة– يجري بجوار السيارة قائلاً أنها تسير دون سائق لأنه –يقصد السائق- نسي شد فرامل اليد أو تعشيق الميني باص الواقف أساساً على منحدر، فتحرك ببطء متجهاً إلى قطع الشارع العمومي.
ورد الفعل الطبيعي في هذه الحالة أن يتحرك أحدهم لإيقاف السيارة فوراً، فقفزت مسرعاً إلى مقعد القيادة لشد فرامل اليد –وهي أقصى معلوماتي عن القيادة– وللحظ العجيب تكوين "الميني باص" يختلف تماماً عن السيارات الخاصة، فلم أجد فرامل اليد في مكانها المتعارف عليه في معظم السيارات على يمين القائد، وفشلت تماماً في الوصول إليها، كما أن ضعف الإضاءة أعاق نظري الضعيف أصلاً ومنعه من الوصول إلى مكان فرامل اليد، حتى يداي! التي دارت حول عجلة القيادة والمقعد الخاص بالسائق متحسسة وباحثة بإيقاع سريع جداً فشلت تماماً في الوصول إلى أي شيء، فأمسكت بعجلة القيادة جيداً ووضعت قدماي على الدواسة بنفس الطريقة التي يتعامل بها قائد أي سيارة، وسألت بصوت عالٍ جداً: "أدوس على أي واحدة؟ أين الفرامل؟" فأجاب الزميل "محمد مندور" الصحفي يجريدة البديل وهو يجري بظهره في الشارع بجوار باب الميني باص الأيمن دافعاً السيارة بعكس اتجاه سيرها بيديه الانثتين معاً وبمنتهى القوة: "دُس على التي إلى الشمال يا ماجد"، وبتلقائية غرست قدمي اليسرى بكل قوة على البدال الأيسر ومع ذلك لم تقف السيارة رغماً عني وعن "مندور" الذي بدأ يلهث من التعب، فنبهني "رامي عطا" الصحفي والباحث في الشؤون القبطية وهو يحاول إيقاف السيارة من المواجهة بنفس أسلوب "مندور" أن أجرب البدال الأوسط، وقبل أن أضغط عليه جاء السائق مهرولاً وفي يده كوب شاي وقفز من الباب المجاور لي فقمت مسرعاً تاركاً له عجلة القيادة، ونجح بحكم الخبرة في إيقافها في أقل من ثانية وانتهى الموقف بسلام.
الجميل في الموضوع هو رد فعل الجالسين داخل السيارة أثناء محاولتي الفاشلة لإيقافها؛ فالكل كان يردد كلمات سريعة غير مفهومة ولكنها من المؤكد كانت دعوات إلى الله لإنقاذ الموقف دون خسائر.
وبعد إيقاف السيارة نزلت منها إلى الشارع متحدثاً مع د. علي إسماعيل مدرس المخ والأعصاب والطب النفسي بجامعة الأزهر الذي تابع الموقف من أوله، ومتسائلاً عن تحليله لما حدث طبقاً للعرض التفصيلي الذي قدمه لنا في المؤتمر حول نظرية العالم النفسي "إيرك بيرن" المشيرة إلى أن الإنسان طوال فترة حياته يتمتع بثلاث شخصيات ويتنقل بينها طبقاً للمواقف التي يقابلها، وأول هذه الشخصيات الطفولة بشقيها الحر والخاضع، والثانية الأب سواء كان الناقد أو الراعي، أما الثالثة فهي الراشد، وذلك حسبما قال بيرن.
وأكد لي "إسماعيل" أن ما قمت به يدخل تحت إطار الأب الراعي لأني تحملت المسؤولية بشكل مباشر دون تردد، ولكن عدم معرفتي كيفية إيقاف السيارة تنقل التحليل إلى أن الفطرة هي التي حركتني لمواجهة الموقف بنفس أسلوب الغريق الذي لا يجد حتى القشة ليتعلق بها فيقال: إنو كان "بيضبش"، والتضبيش هنا جعلني مستحق بكل فخر أن أنال تعليق الزملاء الساخر "مابيعرفش يوقفها!".
شكّة:
كل الأمور تتساوى؛ السيارة والوطن كلاهما دون فرامل!.
اقرأ أيضاً:
نظرية الكفاح المبقوق/ أبي..