في الساعة الرابعة صباحا سمعت أصوات تصدر من حارة جانبية فخرجت إلى الشرفة لأتبين أن الصوت لطفل يستعطف صارخا ومستنجدا. خمنت ساعتها أن المستغيث لابد وأن يكون أحد أطفال الشوارع ففي تلك الحارة أسمع أن بها مركز استقبال نهاري لأطفال الشوارع. لحظات ولمحت ثلاثة شبان مربعين بزي مدني قادمين من الشارع الرئيسي أعطوني انطباعا بأنهم رجال شرطة من القسم لا أدري إن كانوا مخبرين أم ضباطا شبان ولكن هيئتهم مرهبة بأجسادهم الضخمة ثم اختفوا في الحارة فزاد الصراخ والاستعطاف وتوسل ما يستخدم حكاية ما عن الأم كأن الطفل كان يفعل شيئا ما لأجل أمه.
ثم خرج مجموعة الرجال من الحارة حاملين مرابعة جسدا صغيرا ولمحت في الظلام ذيل حصان متدليا فشككت أن تكون فتاة فارتج قلبي لوعة وأنا شبه متيقنة أنهم لابد سيأخذونها للقسم. وقفت ذاهلة بملابس النوم أفكر هل أنا سلبية وهل كان علي أن أتدخل لحماية هذه الطفلة خاصة وأني ناشطة ومهتمة بالقضايا الاجتماعية ومتابعة لما يدور حول إقرار قانون جديد يصون حقوق الطفل المصري. كما اشتركت مؤخرا في برنامج تلفزيوني من إنتاج البي بي سي عن ظاهرة أطفال الشوارع بالتحديد باعتباري من أوائل الإعلاميين الذين تصدوا لطرح تلك الظاهرة منذ خمسة عشر عاما.
وكنت قد واجهت في ذلك البرنامج التلفزيوني مسئولا أمنيا بواقع ما يحدث لهؤلاء الأطفال من انتهاكات على أيدي رجال الشرطة وداخل الأقسام فابتسم مستهزئا بأن كلامي "ديمودية" وعفا عليه الزمن. بينما أكد المشاركون في لجنة تقصي الحقائق التلفزيونية من متخصصين في شئون الطفولة صدق مقولتي. مع كل ذلك أسقط في يدي ولم أحرك ساكنا كما لم أقو على النوم وظللت مؤرقة حتى انبلاج النهار.
وفي اليوم التالي قابلت حارس الأمن الليلي الذي كان واقفا على ناصية الشارع يتابع الأحداث في ثبات فأكد لي أنها كانت فتاة بالفعل وأن من شالوها هيلة بيلة هم رجال من قسم الشرطة ثم انبرى في حديث معتاد عن هؤلاء الأطفال المنحرفين الذين يشدون الكُلّة فأجبته بأنهم ضحايا قبل أي شيء كما لا يجب أن نتجاهل حقيقة أنهم أطفال ولهم حقوق. وقمت بالاتصال بالصديق هاني هلال رئيس مركز حقوق الطفل المصري والذي شارك كمنظمة مجتمع مدني في صياغة القانون الجديد بدعوة من المجلس القومي للطفولة والأمومة. فعبرت له عن استيائي من المشهد وسألته عما يمكن أن أفعله لو صادفت مستقبلا حادثة مماثلة. فأجابني بـأنه ليس أمامي سوى الاتصال برقم "16000" لاستدعاء قوات الدفاع المدني التي تتعامل بانضباط أكبر من ضباط القسم مع هؤلاء الأطفال. لم أجرب الرقم بعد ولا أدري إن كان فعالا وناجعا، ولكن ربما أخبركم يوما بتجربتي معهم أو يخبرني أحدكم.
واقرأ أيضاً:
حول قانون الـ بس الفضائي/ مصر بقت مصرين..3..4..5