يحكى أن شخصًا من الطبقة الشعبية في زمن العولمة ودولة الحق والقانون، وزمن الإنترنت والصحف وسيادة الرأي الحر.. بعث برسالة عاجلة إلى وزراء ذلك الزمان كان هذا نصها:
سلامٌ تام بوجود مولانا الإمام وبعد..
أيها الوزراء.. إنه من دواعي الفرح أن أبعث إليكم بهذه الرسالة.. راجيًا من الله تعالى أن تجدكم -ولعلكم كذلك- بعافية وصحة جيدة..
موضوع الرسالة يدور حول هموم الناس ومشاغلهم، حول رغيف خبز حاف وراحة بال تكاد تكون مفقودة، وفرصة عمل عزّ وجودها لأسباب غامضة.. ولكن سأقتصر على شيء آخر قد يكون السبب لكل ما سبق ولكل ما لحق والله أعلم; إنها حالة المظالم والتجاوزات والخروقات.. حالة الشكايات التي لا تجد آذانا صاغية.. حالة رنات هاتف تهوي بالخصوم أسفل سافلين.. حالة جرّات قلم قد تقلب الواقع رأسًا على عقب! شعارها الدائم (قولوا العامْ زينْ البْـنات)!
يا أصحاب الجاه والسؤدد، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فالدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.. لذا يحزّ في النفس أن نأخذ عن النصارى لبس البنطلون ونقلدهم في كل ألوان الغناء والفنون! يحز في النفس أن نأكل مثـلهم ونشرب شربهم، ثم لا يكون عقلنا هو عقلهم ولا علمنا هو علمهم!
فهم مثلا يا أصحاب الجاه والسؤدد.. يحكمون بالحق، يحترمون المواطنين، يحافظون على المال العام، يطبقون القانون على الكبير قبل الصغير وعلى القوي قبل الضعيف.. إنهم مثلا يا أصحاب الجاه والسؤدد يقرؤون الصحف ويتتبعون الانتقادات الواردة والشكايات المطروحة، فإذا بهم يهـبّـون لنصرة الحق والدفاع عن المظلوم إن صح ّ أن عندهم مظلوم..
وهم يا أصحاب الجاه والسؤدد يشجعون العلم والعلماء والفكر والمفكرين.. يتقبلون الرأي الآخر ويعودون إلى جادة الصواب ويعترفون بالخطأ، فيما نحن نخنق الحريات ونضيق عليها من هنا وهناك.. نعطي بالظهر للقلم وصولاته، ونستقبل بالبشاشة الحلوق الصادحة والشعور الثائرة!
هم يا أصحاب الجاه والسؤدد يعتمدون على الكفاءات والشواهد ونحن نتعامل بالزبونية ورنات الهاتف وأساليب الرشوة والخداع!؟
إن القواد فيما مضى كانوا يبعثون بعيونهم في كل اتجاه.. يترصدون أخبارًا قد لا تصلهم إلا بعد أيام وشهور.. لكنكم أنتم بإمكانكم الحصول عليها في طرفة عين وانتم جالسون براحة تامة في مكاتبكم الجميلة، أو في حدائقكم الغنّاء.. فقط اقرؤوا الصحف الصادرة في ذلك اليوم وفي كل يوم.. ثم تتبعوا الخروقات التي تحصل في القطاع الذي أنتم مسئولون عنه، أرجوكم.. انسوا كل شيء.. لكن لا تنسوا قراءة الصحف اليومية التي تأتيكم بأخبار مَن دونكم. أرجوكم اقرؤوا ولا تكونوا من الذين لا يقرؤون.. أو يقرؤون ولا يفهمون أو يفهمون لكن لا يأبهون! فإذا كنتم رعاكم الله لا تتبعون الأخبار ثم لا تهبّون لتصحيح ما يجب تصحيحه.. فمن ترونه بالله عليكم حريًا بأن يفعل ذلك؟
انظروا إلى اليهود أبناء يهودا.. أولئك الذين يرتكبون المجازر ويقتلعون الدور والأشجار.. ذلك الميكروب الذي يـُُلهب جسدَ العالم بمختلف الأوجاع والآلام.. هؤلاء يا أصحاب الجاه والسؤدد يطبقون الديمقراطية.. يحاسبون الرئيس والسفير.. والغني والفقير!
فيا أصحاب الجاه والسؤدد، اعلموا أن في وطنكم موظفين متجبّرين، يعتبرون إداراتهم شركات خاصة بهم.. وأنتم وحدكم في عيونهم فهودٌ وأسودٌ، فيما نحن مجرد خرفان لا تقوى حتى على السؤال، وإذا شئتم مزْحة سأصف ذلك وأقول لكم: نحن أشبه ما نكون بمصلـّي ذات يوم، حين حضر مسئولان لصلاة المغرب بمناسبة وفاة الحسن الثاني رحمه الله، فلما أقيمت الصلاة، كان المسئولان خارجان عن الصف بشكل بارز، لكن لا أحد من المصلين أمرهم بالانتظام في الصف.. ولا الإمام نفسه شنّـف أسماعنا بكلامه المعهود: سوّوا صفوفكم فان تسوية الصفوف من تمام الصلاة!؟
اتعظوا.. اتعظوا حفظكم الله، وكونوا خير بطانة لملككم أو رئيسكم، فأنتم العيون وأنتم الآذان، فكونوا أحسن العيون وأفضل الآذان، والسلام.
ويُحكى أخيرًا بأن صاحب الرسالة.. في زمان الشفافية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. لازال ينتظر الجواب، جوابًا من نوع التحركات على أرض الواقع لا تحرشات القلم بجسد الأوراق أو انسياب مجرد الكلام من بين الشفتين واللسان!
واقرأ أيضاً:
هل صحيح أن الجني يدخل جسد الإنسان؟/ الجن.... بين الحقيقة والوهم!/ ظاهرة "الحلـْـقة" شعوذة وابتزاز/ الإنترنت نعمة أم نقمة؟