(1)
... حديقة النادي خالية من العجائز الذين اعتادوا أن يجلسوا تحت الشمس لعل الدفء يقوم بالواجب في مواجهة آلام المفاصل. السيدة السوداء تنزل الحمام عارية تماما، لم ينظر لها أحد من السفراء الأجانب شذرا، لكن الملحق الثقافي للسفارة الروسية أشاح بوجهه بعيدا في حياء عذراء لم تُختبر.
... كيف يتحول الماء الرائق الدافئ هكذا ببطء متسحب إلى هذا السائل اللزج الغامض؟ طينٌ هذا أم أسفلت سائح؟ كيف يحدث ذلك في حمام السباحة الخاص بالسلك الدبلوماسي الأجنبي في المعادي؟. يزداد العوم صعوبة كلما ازداد الطين كثافة، والمسافة تتسع بينه وبين السيدة العارية التي تسير بخطى بطيئة في الجزء الذي ليس لها فيه طول. تـُرى هل تنتمي إلى "محور الشر" أم إلى "محور القتل"، ثم أيهما أسهل؟ الموت اختناقا تحت الأنقاض أم غرقا؟
يتغير المنظر دون تمهيد: الجبل يقترب من البحر ويتمادى طولا كأنه يتخلق لتوه حتى تتفجر قمته في بركان عملاق يتصاعد منه دخان أزرق تتقافز في وسطه أجنّة ديناصورات متنوعة ذوات ألوان فاقعة، فيؤذن دبليو بوش من على مئذنة "برج العوْلمة الجديد" المصنوع من نفايات البلاستيك الذري، والمقام حديثا مكان دير سانت كاترين الذي أزالوه لأنه أنشئ دون ترخيص، يؤذن السيد دبليو: أن الجنة تحت أقدام القنابل الذكية" وأنه: "حي على الإبادة، حي على البلادة"!، فترد جوقة من العجائز والأطفال: يا حبيبتي يا مصر، يا مصر. فيصيح الشاب:"بريء، والله العظيم بريء"، ثم يبدأ في العدو وهو يستغيث: الحقوني، الحقوووونى!
(2)
هزته أمه بشدة تكاد تصل إلى الضرب: "مالك؟ فيه ماذا؟". راح يتلفت وهو يتصبب عرقا: الحمد لله، شكرا يا أمي أنكِ أيقظتني، قالت له: لكنك لم تكن نائما، كنتَ جالسا وصوتك وصل لآخر الشارع، فيمّ كنت؟ قال: حلمت أنني تمثال من صخر أملس لا من لحم ودم، وكلما هممت أن أتمطى، تشقق الصخر وسال طمي من داخلي مختوم بختم "توشكا المحطة"، ثم وجدت نفسي محشورا في مظاهرة دون سروال وهي تهتف بحياة صدقي باشا، وسقوط دستور 23، فتقدم مني رئيس الوزراء الحالي، ومعه مفتي الديار القادم يعلن في مكبر مزعج أنه "يجوز ذبح الناس في القلعة علانية ودون محاكمة" بمجرد التأكد من صور الفيديو التي صُوِّرَت في المظاهرة المضادة التي هتفت بالعكس: ضد صدقي باشا ودستوره.
المصيبة أنني وجدت صورتي واضحة في المظاهرة الثانية، مع أنني لم أشترك في أية مظاهرة، فقط كنت محشورا غصبا عني في الأولى، فذهبتُ بسرعة إلى خادم المسجد بجوارنا أسأله عن مدى مشروعية إقامة الحد هكذا دون محاكمة، فأجاب إن مثل هذه الصورة في هذا الوقت بالذات تثبت أن الخائن الفاجر المشترك في هذه المظاهرات يستحق حد الحرابة، لأنه لم يصلي الظهر حاضرا في عيد العمال.
قالت الأم: بالله عليك، هل هذا حلم حقيقي أم أنك تفبركه؟ قال: كيف عرفتِ يا أمي؟؟ أنا فعلا أفبركه، إيش حال لو عرفت الحلم الأصلي؟، قالت: ولماذا لم تحكه لي بدلا من الفبركة؟ قال: من فرط الخوف، قالت: الخوف ممن؟ قال: من مباحث أمن الدولة، قالت أمه: لكن الحلم الذي حكيته هو الذي يثير مباحث أمن الدولة، قال: لقد أعادوا ترتيب أولويات جرائم الإرهاب بعد الاستفتاء الأخير. قالت الأم: اسمع لما أقول لك، غط نفسك جيدا قبل النوم، قال: لكن هذا ضد الشفافية، قالت: ضد ماذا؟! ماذا تقول؟ قال: يا أمي أنا أمزح، أنا لم أحلم أصلا، قالت: ومن الذي كان يصيح: الحقوني، قال: أنتِ يا أمي التي تخيلت!
(3)
قالت له أخته: حرام عليك يا شيخ، ألن تكف عن العبث بأعصاب أمنا الطيبة هكذا؟ ألا يكفي ما تتحمله من أبي؟ قال لها: أنا أشفق عليها فعلا، لكن بصراحة، أنا لم أتمالك نفسي، قالت له: وهل حلمت بصحيح بما أفزعها جدا حتى خافت عليك هكذا؟ قال: لست متأكدا، لكن الذي أنا واثق منه هو أن المسألة أصبحت لا تطاق. قالت: أية مسألة؟ أمي تقول أنك كنت تصيح بأعلى صوتك "الحقوني، الحقوني"، من الذي كان يطاردك؟ قال: قلت لك أنا لم أحلم ولا يحزنون، ثم إن الإجابة عن سؤلك هذا، لا تحتاج إلى تفسير أحلام، إن واقعنا أصعب من أرعب الأحلام. أنتِ خير من تعلمين من الذي يطاردُنا، حتى يطردَنا.
قالت أخته: صحيح، لكن ما ذنب أمي؟
قال: ذنبها أنها أنجبتنا في هذا العصر.
قالت البنت: بل إن لها الفضل كل الفضل، لأننا نحن الذين سنغير هذا العصر.
اقرأ أيضا:
تعتعة سياسية: البنتُ والعـلَمْ/ تعتعة سياسية: دافوس- شرم الشـيخ/ تعتعة سياسية: الراقصة.. والمسخ/ أسئلة ممنوعة، وإجابات مرفوعة!!!!/ ست الناس.. والدستور.. والمواطنة!!/ تعتعة سياسية: استقالة وزير