منذ طفولته المبكرة في الخمسينيات من القرن العشرين أصابه نوع غريب من الوسواس وهو عد الحواجز في الشوارع, إذ لا يمر على حاجز إلا ويعطيه رقم مسلسل ويسجله في كراسة يحملها في يديه أينما ذهب, وهو يسجل نوع الحاجز وطوله وعرضه وارتفاعه والمادة المصنوع منها ومكان الحاجز وعدد القطع المكونة للحاجز, فمثلا هناك حواجز بلاستيكية خفيفة تضعها إدارة المرور بعضها مثلث والبعض الآخر مستطيل وملون بلون برتقالي مع أصفر؛
وهناك حواجز معدنية مستطيلة ومتحركة توضع في الشوارع لفصل الاتجاهات أو لمنع الوقوف أمام البنوك والمؤسسات الحكومية, وهناك حواجز أسمنتية متحركة وأخرى ثابتة, وهناك حواجز مرتفعة ومقوسة للأمام توضع أمام الوزارات السيادية ومديريات الأمن ومراكز الشرطة والجهات الحساسة, وهناك البوابات الحديدية الضخمة, وهناك الأسلاك الشائكة, والحديد المدبب يوضع فوق الأسوار العالية وهناك الحواجز البشرية من الجنود المدججين بالسلاح.
ولديه رغبة قهرية في السفر إلى المدن المختلفة ليعد الحواجز فيها ويصنفها فوجد أن أكثر عدد من الحواجز موجود في العاصمة يليها المدن ذات الأهمية الأمنية مثل المدن الحدودية أو الساحلية, وأصبح يعرف أهمية المبنى وأهمية الشارع من نوع الحواجز المحيطة به وارتفاعها.
ولا يسلم الأمر على الطرق السريعة وحتى البطيئة فالحواجز الأمنية والأكمنة في كل مكان, وكان يضطر أن ينزل من السيارة الأجرة ليقف قريبا من الكمين ليعد قطع الحواجز ويتعرف على نوعها ومقاييسها وربما يرسمها في كراسته وينظر إليه الركاب في ريبة ويسلمون بأنه مجنون, وتفوته السيارة ويقف بجوار الكمين ينتظر سيارة أخرى قادمة ليكمل مشواره, وكانت قوة الكمين تشك فيه وتحتجزه بعض الوقت للتأكد من هويته ومن هدفه من رصد الحواجز في الكمين ورسمها ولا يطلقون سراحه إلا بعد الاتصال بالسلطات الأعلى للتأكد من تاريخه الإجرامي أو الإرهابي؛
وفي كل مرة كان يأتي الرد بأنه مريض بوسواس عد الحواجز, وأنه تم القبض عليه أكثر من مرة أمام مبان سيادية كان يحوم حولها ليتم عد الحواجز ويرسمها في كراسته, وفي كل مرة كانوا يتأكدون من أنه مريض بالوسواس فقد كان يحمل في جيبه بناءا على نصيحة الطبيب النفسي الذي يعالجه تقريرا طبيا بحالته وروشتات علاجية يحتفظ بها منذ إصابته بالمرض, وقد تم عرضه على لجان متخصصة للتأكد من صحة مرضه.
وقد تراكم لديه عدد كبير من الكراسات بها سجل كامل للحواجز في كل مكان على مدى سنوات عمره التي جاوزت الستين, وأصبح هذا يشكل عبئا كبيرا عليه إذ تحتل هذه الكراسات مساحات كبيرة في شقته الصغيرة, وقد اضطر رغم فقره أن يؤجر شقة أخرى لا ليعيش فيها ولكن ليحتفظ بما زاد لديه من كراسات, وهو لا يفرط في أي من هذه الكراسات على الرغم من أن الكثير منها أصبح قديما وأن الحواجز التي رصدها تم استبدالها بحواجز أخرى ولم يعد لها وجود, هذا إلى جانب الجهد الكبير والوقت الذي يقضيه في هذا الأمر العبثي الذي لا يعود عليه بأي فائدة.
وقد حامت حوله الشكوك في وقت من الأوقات أنه يعمل لحساب بعض الجهات, أو أنه يمكن أن يمد الإرهابيين بهذه الثروة الحواجزية المهمة ولكن مع تكرار احتجازه وتفتيشه كان يتأكد أنه ليس له أي غرض من هذا العمل ولكن قوة قهرية تدفعه لهذا العمل يسمونها وسواس قهري وهو يتحسن في بعض الأوقات مع العلاج ولكن يعاوده كلما توقف عنه.
واعتاد أن يشم رائحة معينة أشبه برائحة سوق السمك كلما اقترب من حاجز, وفي البداية كانت هذه الرائحة تضايقه ولكن مع الوقت أصبح وكأنه مدمنا لها, بل ويلجأ إلى مخزن كراساته القديمة ليشم فيها هذه الرائحة. وفي يوم من الأيام قرأ في إحدى الصحف أنه تم بناء 19 (تسعة عشر) سجنا جديدا بعد عام 2011م وظل لعدة شهور تقتحم وعيه صور هذه السجون وعدد الزنازين فيها وعدد المسجونين وعدد السجانين وأعداد أسر المسجونين, و..... و...... بلا نهاية, ولم يوقف هذه التخيلات المقتحمة إلا جرعات زائدة من العلاج الدوائي.
ومنذ أيام حامت حوله الشبهات وتم احتجازه واعتقد ككل مرة أن التقرير الطبي والروشتات التي يحملها سوف تثبت براءته, وأعطاهم رقم الطبيب الذي يعالجه ولكن دون جدوى, وعرف أن الطبيب قد تم احتجازه لشكوك وشبهات حامت حوله.
والغريب أنه منذ دخل السجن لم تعد لديه أي رغبة في عد الحواجز.
واقرأ أيضاً:
الوسواس القهري جنون العقلاء/ المسؤولية الدينية لمريض الوسواس القهري/ التدين الوسواسي/ الضعف الجنسي الوسواسي