Eugen Bleuler
أوغن بلولر (1859- 1939) سويسري، تعلم بزيورخ وعلّم بها الطب النفسي، واشتغل مديراً لإحدى مستشفياتها العقلية. قبل بلوغه التاسعة والعشرين من العمر، ويعتبر من أبرز من كتب في الفصام، وهو صاحب هذا المصطلح، وله مصطلحات أخرى كثيرة يرجع له فضل استخدامها في مجال الطب النفسي، وقيل إنه من المؤسسين لعلم الطب النفسي الدينامي، وكانت له مراسلات مع فرويد، وشاركه يونغ في أبحاثه، واجتمعا وآخرون مع فرويد سنة 1908، ثم عقدوا اجتماعهم الثاني بعد ذلك بسنتين وأعلنوا قيام الرابطة الدولية للتحليل النفسي، وأسهم في تحرير مجلتها إيماجو الناطقة والداعية إلى مفاهيم التحليل النفسي، والناشرة لأبحاث وأخبار المحللين النفسانيين.
واشتهر Bleuler بكتابين (العته الباكر أو مجموعة الفصام Dementia Praecox: or the Group of Schizophrenias) (1911) وكان قد قرأ مسودته في مؤتمر أطباء النفس الألمان في برلين (1908) تحت اسم تشخيص العته الباكر أو مجموعة الفصام (Die Prognose der Dementia Praecox (Sxhizophreniegruppe ، والكتاب الثاني هو (المرجع في الطب النفسي Textbook of Psychiatry) (1951) أو (Lehrbuch der Psychiatrie) كما في الطبعة الألمانية (1916).
يتمثل الإسهام العلمي لـ Bleuler في مجال الفصام في نبذه للفكرة القديمة التي أرساها Emil kraepelin أن الفصام من الأمراض العقلية التي ليس لها أسباب نفسية بتاتاً، وأنه يأتي المرضى به مبكراً، والمريض به يسوء حاله وتتدهور قواه العقلية باستمرار، وذلك لأن المرض ناشئ عن تلف عضوي بالمخ، وأنه لا علاج له.
لذلك يعود الفضل إلىBleuler في تغيير اسم المرض، والتنبيه إلى أن أعراضه المستحدثة هي التي تتسبب للمريض في هذا الانشطار في الشخصية، حيث يشتق الفصام من الفعل فَصَمَ بمعنى قسّم وجزأ. ووصف Bleuler ديناميات المرض فقال إن المريض يتميز بتناقض مشاعره، أو تضادها، وهذا المصطلح التناقض الوجداني Ambivalence من اختراعه، وقال إن أفكاره أو كلامه قد يتدفق حيث يبدو أن المريض يعاني من ضغط الأفكار أو الكلام، وقد ينقطع هذا التدفق فجأة فيبدو كما لو كان يعاني انسداداً Blocking، وحتى ما يقوله ويفكر فيه رغم تدفقه يبدو بلا روابط، وغير متسق مع بعضه، وهو ما يعطيه Bleuler اسم التكثيف.
فقد يربط المريض بين الفكرتين في فكرة واحدة، أو بين الكلمتين في كلمة واحدة، وقد يلمس المعاشرون له أن المريض لا شيء لديه يقوله، كأنما يُعاني من فقر أو إفلاس أو نضوب فكري، وقد يصل به الأمر إلى أن لا يجيب على ما يلقى إليه من أسئلة إلا بأن يردد السؤال، أو يجيب بكلمة أو عبارة لا صلة لها بالسؤال، كما لو كان المريض يعبر عن سؤال في نفسه هو، أو كما لو كانت عبارته سلسلة من عبارات داخلية لم يتفوه بها، وكما لو كان المريض يعيش داخل عالمه الخاص. ويسمي Bleuler هذه الظاهرة باسم الذاتية Autism ، ويقول إن المريض يبدو بها مجانباً للواقع Dereistic ، ويفسرها بدوافعه الدفينة وعقده اللا شعورية، وأفكاره الذاتية المنبت Autochthonous التي تنازع اهتمامه بالواقع أو العالم الخارجي.
هذا التشخيص الذي قدمه Bleuler والمصطلحات التي صاغه بها، هو ما شاع عنه وأحدث انقلاباً في التفكير النفسي الطبي، فلأول مرة تستعمل مفاهيم التحليل النفسي التي استخدمها فرويد في مجال النفاس- تستعمل في مجال الذهان. وهذا التطور نفسه هو الذي أطلقوا عليه من بعد اسم الطب النفسي التأويلي Interpretative psychiatry. ولقد بيّن Bleuler أن مريض الفصام ليس هو المسطح Flat وجدانياً كما يقول كريبلين، وإنما له عالمه الوجداني الخاص الذي يتجاوب مع حاجاته الوجدانية.
ولأول مرة يبدو هذا التشخيص مبرراً للهذاءات والتخيلات الخاصة بمريض الفصام، ويعني ذلك أن التداعي بالمرض دليل على الانسحاب من العالم الخارجي الذي يعجز عن مسايرته، إلى عالم داخلي خاص به يستطيع أن يسيطر عليه. وبهذا التفسير يكون الفصام من الاضطرابات التي يمكن أن يفيد فيها التحليل النفسي لميكانيزمات اللا شعور عند المريض والتي تتسبب عنده في الانسحاب. وكانت لهذه التحليلات آثارها البعيدة في مجال الطب النفسي التحليلي، خاصة عند تلميذه لودفيج بنزفانجر صاحب الاتجاه الوجودي. وكانت لبلويلر تحليلات للشخصية الفصامية باصطلاحات وجودية لا شك أن بنزفانجر أخذ بها، وكذلك جاكوب ويرش صاحب المصطلح (الشخصية الفصامية) (1949). ولعل بلويلر كان أسبق من ياسبرز وهايدجر في محاولاته أن يجعل عالم المريض بالفصام من العوالم التي لا تثير فينا الاستغراب، بأن أخضعه للتحليل، ووصف نمط حياته كأحد الأنماط الوجودية التي تحفل بها الحياة. وكان Bleuler شديد الإعجاب بالتحليل النفسي، وكان أحد الأوائل الذين أضفوا على هذا الفرع من العلوم الاحترام الواجب له من الدوائر العلمية.
٠ نشرت في الشبكة العربية للعلوم النفسية (المصدر: المركز الرقمي للعلوم النفسية www.DCpsy.com).