أدولف ماير (1866- 1950) يعتبر عميد الطب النفسي في الولايات المتحدة، وقيل أن Adolf Meyer هو الذي جعل للطب النفسي الأميركي طابعاً خاصاً انفرد به عن طابع هذا العلم في أوربا، وهو القائل إن ما يسمى بالأمراض العقلية والنفسية ليست أمراضاً، وإنما هي اضطرابات أو أنماط من الاستجابات المغالى فيها أو الشاذة والتي يمكن علاجها نفسياً. وهو أيضاً القائل إن البحث في الاضطراب العقلي لا يكون في خلايا مخ المريض عقلياً، وإنما ينبغي أن يتوجه لشخص المريض نفسه. وكان اهتمامه شديداً بظروف البيئة وأثرها في التنشئة الاجتماعية، وفي الانحراف بالأطفال خصوصاً، وأن تكون لهم هذه الأنماط السلوكية المضطربة وتستمر معهم.
وAdolf Meyer سويسري الأصل، هاجر إلى الولايات المتحدة بعد حصوله على الدكتوراه مباشرة سنة 1892، والتحق بالمستشفيات الحكومية إلى أن اختير سنة 1908 أستاذاً لكرسي الطب النفسي بجامعة هوبكنز، ولم يكن هناك من يشغل هذا الكرسي، ولا من يقوم بالتدريس لطلبة الطب في هذا العلم الوافد خيراً منه، بالنظر إلى خبرته الواسعة فيه، ولفلسفته التي كان يعلنها من آن لآخر ولم يسبقه إليها آخرون. واستطاع أن ينشئ مستشفى تعليمياً للطب النفسي، وكان رائداً في وضع مناهجه ونظام الدراسة فيه وطريقة إيواء طلبته أثناء الدراسة.
ومن الطريف أن Adolf Meyer استطاع أن يلم بجوهر الحياة الأميركية، وأن يطالع مفكريها ويتعرف على فلسفات بيرس ووليام جيمس وكول وجون ديوي وجورج هيربرت ريد، فجمع بين الفكر الإنساني والفكر العلمي الذي كان له كأوربي. ولولا أن اسم فرويد ذاع أكثر منه في الأوساط الطبية الأميركية، وأن التحليل النفسي أصبح الموضة بعد الحرب العالمية الثانية، لكان Adolf Meyer برغم بلوغه سن التقاعد سنة 1941 هو نجم الطب النفسي وما يزال.
لم يكن Adolf Meyer ضد التحليل النفسي في اهتمامه بالطفولة وبالرمزية عند المريض النفسي، إلا أنه عارض إغراق فرويد في التقسيمات المتخيلة للجهاز النفسي، وخالف أصحاب التحليل النفسي في نظرتهم الجزئية واعتبر المريض حالة لا تتجزأ، باعتبار نشاطه العام وسلوكه جميعه الذي أطلق عليه اسم ergasia، أي الجهد الكلي للنشاط العام للفرد، ومذهبه هذا يسميه ergasiology، أي مبحث النشاط الكلي أو الجهد الكلي، وأعطاه كذلك اسم Psychobiology أي علم الأحياء النفسي أو البيولوجيا النفسية. وكان Adolf Meyer من المعجبين بهجهلينج جاكسون ونظرته المتكاملة للجهاز العصبي، وقال مثله بتكامل العقل والشعور، وأن التفكير يؤثر على وظائف الإنسان البيولوجية والكيميائية، ويتأثر كذلك بالحالة الصحية العامة للفرد، فالإنسان وحدة، وبعضه يكمل بعضه، وكان يؤكد على الجانب الإنساني للسلوك ويكامل بين فسيولوجيا السلوك وإنسانية الدوافع له.
ولا شك أن من إسهامات Adolf Meyer غير المنكرة بحوثه في الاضطرابات العملية والنفسية. لا باعتباراتها البيولوجية والتشريحية، ولكن باعتبارها استجابات للأحوال المعيشية الخاطئة التي يعيشها الناس، ولطريقتهم الخاطئة أيضاً في التفكير، وهو القائل إن الفصام يمكن أن ينشأ من انحطاط أنماط العادة، بما في ذلك عادات التفكير. وانفرد بجعل الفصام من اضطرابات الشخصية أكثر من كونه من الاضطرابات العقلية، أو بسبب اختلال في الأيض المخي. ومفهومه الدينامي للفصام أدى به إلى التأكيد على إمكان علاجه نفسياً وإعادة مواءمة المريض به لظروف مجتمعه وبيئته.
٠ نشرت في الشبكة العربية للعلوم النفسية (المصدر: المركز الرقمي للعلوم النفسية www.DCpsy.com).