قالت لي: "ابنتي ذات الثمانية أعوام تتذمر كثيراً من تنظيمي لوقتها"، قلت لها: "لماذا؟" قالت: "لأني حريصة على وقتها؛ فأنا أعمل لها برنامجاً يومياً ضمن جدول، فوقت محدد لمشاهدة برامج الأطفال، ووقت لكتابة الواجبات والمذاكرة، ووقت لحفظ القرآن الكريم، ووقت حر إما لاستخدام الكمبيوتر أو اللعب أو التلوين، ووقت لقصة نقرأها قبل النوم". فقلت لها: "والله ممتاز الاهتمام بوقت الأبناء وتقسيمه بهذا الشكل، فأنت تضربين عصفورين بحجر، الأول تعليمها أهمية الوقت، والثاني كيف تستفيد من وقتها من خلال أجندة يومية، فيتربى الأولاد على قيمة إنسانية ودينية غالية ألا وهي" الوقت هو الحياة "ومن يضيع وقته يضيع حياته".
قالت: "لكن ابنتي تتضايق من هذا النظام"، فقلت لها: "فماذا عملت؟" قالت: "في البداية كنت أحاول إقناعها بأهمية الاهتمام بالوقت عن طريق وضع جدول أعمال لكل إنسان حتى لا يضيع وقته من خلال الحوار والإقناع فكانت تسكت، وكنت في قرارة نفسي أشعر أنها غير مقتنعة مائة في المائة، وكنت قد دأبت على قراءة قصة يومية لها كلما أمكنني ذلك إيماناً مني بأنها تساعدني في زرع وتثبيت المفاهيم والقيم والسلوكيات الحسنة. وفي يوم من الأيام شاء قدر الله أن يأتي دور القصة، على قصة سيدنا داوود عليه السلام وجاءت العبارة وفي نصها" وحتى لا يشغله شأن عن شأن -إي داوود عليه السلام- وضع لنفسه نظاماً، فقسم أوقاته أربعة أقسام: وقت للعبادة، وآخر لنفسه وأهله، وثالث للقضاء بين الناس، ورابع لقومه يعظهم ويرشدهم "ففرحت أشد الفرح بتلك العبارة وقلت لابنتي على الفور: انظري يا ابنتي إلى داوود عليه السلام لديه جدول أعمال يومي مثل جدولك، نبي الله داوود ينظم وقته كما تفعلين أنت بالضبط، وهل هناك أعظم وأفضل من أن يقتدي الناس بالأنبياء والرسل؟! ابتسمت ابنتي ابتسامة المفاجئ السعيد الذي وجد إجابة مقنعة شافية كافية لتساؤلات تتصارع في نفسه، فأتت القصة تدعم قيمة الوقت وترتيب الوقت وتنظيمه، فلا أظن أبداً أنه بعد اليوم من الممكن أن تتذمر من جدولة وتنظيم الوقت لأنه أصبح جزءاً من حياتها".
ما حدث مع هذه الأم الواعية هو ما نسميه التربية بالقصة، فقد سبق وأن أشرنا سابقا أن هناك طرقا متعددة للتربية يستطيع المربي الاستفادة منها والتنويع فيما بينها عندما تصادفه عقبات أو مشاكل أثناء التربية وهذا وارد جداً، ما نود التنبيه عليه أن موضوع قراءة قصص متنوعة للأطفال بدءاً من سن 3 سنين مهم جداً لأسباب عديدة منها: غرس القيم والمفاهيم، تساعدنا في تعديل السلوكيات الخاطئة، تعيننا على غرس أو تغيير القناعات كما حدث في القصة السابقة، والأهم من كل ذلك زرع قيمة محبة القراءة وتعويد الأطفال على القراءة، فالقراءة مفتاح العلم، وللأسف أمة اقرأ لا تقرأ مما تسبب في تراجع واضمحلال الثقافة لدى الأفراد، فنلاحظ انخفاض الشعور بالمسؤولية لدى الناس، وسطحية التفكير أحياناً، واللامبالاة، وغياب الطموح وحب المعالي، والرضى (بالحاصل) وغيرها كثير.
من هنا فإن تعويد الأمهات لأطفالهن على القراءة اليومية قبل النوم، سيساهم في نهضة البلاد بعد 10 سنين من الآن إذا بدأنا، لأنهن سيصنعن جيلاً قارئاً ببلادنا، والجيل القارئ هو الجيل الذي يخلق النهضة، هو الجيل الذي يوجد التقدم ويصنع التطور، الجيل القارئ هو الجيل الذي يحارب الفساد ويرفع الظلم ويقيم العدل.
فهيا بنا نكون مكتبات صغيرة في بيوتنا من أجل نهضة أوطاننا.
واقرأ أيضاً:
كتب ب 2500$