وسط عشرات النشرات يوميا ووسط أخبار وأنباء الحرب والضرب والموت والذبح والقتل الذي تمارسه إسرائيل في نازية وعنصرية على الشعب الفلسطيني، وبين آلاف المشاهد والصور للشهداء ومنهم وفيهم مئات الأطفال عبارة عن جثمان وأجساد بريئة ميتة حرقا وقصفا وفتكا وعنفا وممزقة الأوصال مقطوعة الأطراف، مشاهد رهيبة فظيعة تزلزلنا وترجنا رجا، تصدمنا وتخلع قلوبنا، تفتت أعصابنا وتحرق شراييننا، لازم نقلق ونتوتر ونكتئب وننزعج ونتألم ونحبط ونشعر بالعجز ونمرض كمان.
طيب بين همنا بتأثير هذه المشاهد وتلك الصور علينا وبين حيرتنا ماذا نقول لأولادنا وماذا نفعل مع أبنائنا في مثل هذه الظروف كيف نشرح لهم همجية ونازية عدو وكمان ازاي نحميهم من المشاهدة والتأثر والألم والصدمة. الصراحة مع أولادنا مهمة جدا، صراحة من غير صدمة ومن غير صدام، لكن عن أي أولاد نتكلم؟
في سن طفولة لازم نحميه لكن مش لدرجة نفصله بها عما حوله وفيه سن لازم نكلمه ونصارحه لكن مش لدرجة أننا نورطه ونغرقه في بحر الألم، وفيه سن نقدر نواجهه بالحقيقة من غير تجميل لكن من غير تفاصيل كثيرة تهزه من داخله وتزلزل علاقته بالحياة، الحرب شيء صعب وكريه حتى لو حرب حق ودفاع عن أرض ووطن، لكن لا يجب أن نضع أطفالنا في حضانة تحضنه بهواء معقم عن متاعب وآلام الحياة ومشقاتها، لازم يعرف أولادنا وحشية عدو ولازم يتفهم ويحترم معاناة أخوته في الإنسانية والجيرة والوطن ويقدرها ويتعاطف معاها ويساندها، يعني البعد المبالغ فيه والعزل اللي يتحول لانعزال مسألة غلط وكمان الاهتمام حتى الهم والاقتراب حتى الالتصاق مسألة غلط كذلك.
يبقى الحل حلين الأول نقسم أولادنا حسب السن ونديه على قد سنه معلومات ومواجهات وأيضا نقرب من غير ما نلتصق... وكان الله في عونهم أمام الخطر الأكبر.. عجزنا والتي أريد أن أعلق عليها ببساطة. هناك طريقتان لكي يخبر الطبيب مريضه بأنه مريض طريقة مصرية وطريقة غربية، أما الطريقة المصرية فهي أن يقول الدكتور للمريض لا أنت تمام وكل حاجة مضبوطه بس فيه شوية حاجات بسيطة كده عايزين نعمل عملية جراحية بسيطة كده وإن شاء الله ح تبقى تمام فيسأله المريض يعني حالتي خطيرة يا دكتور يقول له يا راجل متبقاش متشائم إنت كويس وخللي أملك في ربنا كبير، يقوله ونسبة نجاح العملية كام يا دكتور يرد عليه متشغلش بالك دي حاجة بسيطة، كلام لطيف وملطف لكن تلاقي الحقيقة أن المريض عنده بلوى سودا أو مرض خطير أو العملية حرجة للغاية لكن الطبيب تعود وتعلم أن مصارحة المريض المصري مسألة صعبة وأن المريض عايز اللي يضحك عليه مش يواجهه... فيه الطريقة الغربية وهي أن يقول الدكتور للمريض أنت حالتك خطيرة والعملية نسبة نجاحها خمسة في المائة، مواجهة بالحقيقة الكاملة الموجعة لأن المعالجة والمكاشفة والمواجهة الناشفة الخشنة بالحقيقة الكاملة هي طريقنا لعلاج أي وجع.
اقرأ أيضاً:
حكايات الدبوس/ الغضب للحق