رحلة إلى سوريا، ليست هي الأولى فتلك كانت في الستينيات أواخر أيام الوحدة، في دورة الجامعات الرياضية حيث شهدنا تحول العاطفة نحو المصريين في وجوه تجار سوق الحميدية الذين أنهكتهم قوانين اشتراكية في بلاد لا تعرف إلا العمل الخاص والتجارة الحرة، وكان ختام احتفالات أسبوع الشباب، معركة حامية بين الطلاب المصريين والسوريين، ولم تمض أسابيع حتى كان الانفصال، وتلك كانت مقدماته.
المهم بدأت رحلتي الأخيرة إلى القطر الشقيق، تذكرة الطائرة، بالنسبة للكيلومترات التي تفصلنا عن دمشق هي ضعف ثمن التذكرة إلى أسوان مع أنها أبعد كثيرا لماذا؟ لو أردنا تسهيل الاندماج بين الدول العربية فلعل أول ما تقوم به جامعة الدول العربية بدل هذه الرحلات المكوكية السياسية ـ هو تخفيض تكلفة المواصلات برا وبحرا وجوا بينها، وركبنا إلى دمشق ليموزين محددة السعر.
دمشق بلد جميلة جدا، تذكرك بمصر في الخمسينيات.. الطوابق محددة الارتفاع.. الشوارع نظيفة بلا شركات أجنبية للنظافة غير مزدحمة إشارات المرور موجة خضراء يحرسها جندي حسن المظهر ومحترم جدا لا يخالفها أحد ولا تسمع صوت كلاكس، التاكسي بالعداد أحيانا وبالمقاولة أحيانا أخرى، كلنا في التاكسي شرق!! ثلاثة موجودة بكثرة في دمشق ولكل منها دلالتها وأتركها لك، الثلاثة هي دورات المياه العامة النظيفة، الوجود الشرطي المكثف، وصور الزعماء في كل مكان، المواصلات العامة جديدة وأنيقة يركبها الجميع، أسعار الأكلات اللذيذة الشهية رخيصة جدا، كل منتج في سوريا وبالذات في الملابس والمنسوجات صناعة محلية جميلة رخيصة، ويشم أنفك رائحة انفتاح هادئ مدروس، بعض البنوك المشتركة، آلات الصرف الأوتوماتيكية هنا وهناك، اللكنة المصرية.. والمصريون محبوبون جدا وتحس أنك في بلدك، السوريون طيبون مؤدبون، ورتم الحياة لديهم غير متسارع لا تسمع صوتا عاليا ولا ترى تشابكا في الشارع، ولا تحس بتفاوت شديد في المظهر والمخبر الوجود المصري الحضاري خافت.. الصحف المصرية نادرة حتى الطبعة الدولية منها، الإذاعة المصرية خافتة، تصوصو بين زئير المحطات الأخرى فتترحم على يوم كانت فيه صوت العرب يهز أركان الدول العربية.
محطات مصر الفضائية لا تراها في الفنادق أو المقاهي بل هناك المحطات الخاصة ذات التمويل اللا مصري والجيلان القديم والجديد يحبان مصر من الجيل القديم قال لي أبو هيثم وهو فخور بأنه وهو صغير أمسك رجل عبد الناصر وشده من ملابسه في أول زيارة للرئيس للشام.. كانت هناك مبادئ ومثل عروبية، أما اليوم فعندما أراد عازف الأورج أن يحيي زبائن الفندق المصريين عزف لهم مقطوعة لشعبان عبد الرحيم، الثقل المصري يبدأ بالإعلام ينشر اسم مصر في الخارج بما يساوي حجمها الحقيقي وحضارتها في الماضي والحاضر.
ولابد من وقفة تصحيح للملايين التي تصرف على محطات محلية، تطغى عليها في وطنها محطات خارجية لكني لاحظت أنه كلما خف الثقل الإعلامي.. زادت محبة العرب لنا!! وفي المنتجع البعيد في مكان يعتبره السوريون ـ آخر ما عمر الله ـ كانت تسليتنا الأوليمبياد هذه الاحتفالية البارعة الجمال وهذا الإعجاز الرياضي الذي يقابله إحباط شديد من المشتركين المصريين، طابور عرض طويل عريض حوالي مائتين نصفهم إداريون بملابس أنيقة ولكنه تقازم عند المنافسات.. ألعاب جماعية تكسف ما عدا فريق كرة اليد وألعاب فردية تحت مستوى المنافسة بفراسخ، ويؤسفني أننا تدهورنا في النتائج بالمقارنة بالدورة الماضية بعد أن وعدنا عند العودة من أثينا بالتخطيط المنتظم والاهتمام بالألعاب الفردية، وعندما تتعب من هذا الطابور الطويل والنتائج المخيبة يقولون لك أنه تمثيل مشرف وليس من الضروري أن يفوز كل مشترك بمكان على منصة التتويج، هذا مفهوم في الألعاب الجماعية، أما الألعاب الرقمية فتلك أمور لا يفيد فيها احتكاك خارجي فإذا كان الرباع يحمل100 ك جرام مثلا قبل سفره إلى بكين فإن سفره لن يزيدها، ثم يقولون موعدنا دورة لندن!!.
يكون الحمار أو جحا قد مات!!.
غادرت دمشق وأنا أشعر بأني أغادر وطني وأهلي، وخرجنا من مطار القاهرة ففوجئنا بطريق المطار وهو أول ما يصادف السائح في مصر، وقد أصابته جلطتان مروريتان وقفنا بالسيارة.. طابور لا يتحرك عند إستاد الكلية الحربية وكانت تقام فيه مباراة الزمالك.. سيارات وجموع المتفرجين تسد الطريق، خرجنا من أول انسداد إلي أن وصلنا إلي طابور آخر لا يتحرك طوله40 عربة علي الأقل عند كوبري مدخل، ومخرج طريق المطار بعد تمثال رمسيس المزيف الذي أبقوا عليه وأزالوا التمثال الحقيقي حول هذا الكوبري ذي الحارتين المروريتين تعلقت السيارات بلا نظام من أربعة أو خمسة صفوف كل يحاول الصعود فتحدث المشكلة المرورية التي يبدو أن قانون المرور الجديد لم يفلح في حلها!! بعد ربع ساعة من الكفاح في طريق المطار حططنا رحالنا بالمنزل، فتذكرت دمشق.. وقول شوقي الذي يغنيه عبد الوهاب، جزاكم ذو الجلال بنو دمشق.. وعطر الشرق.. أوله دمشق.
بـريــد الأهــرام 44465 السنة 133-العدد 2008 سبتمبر 2 2 من رمضان 1429 هـ الثلاثاء
اقرأ أيضاً:
شكرا سوريا مؤتمر مختلف4/ مؤتمر دمشق لأطباء النفس العرب (2)/ ساخن من لبنان أخيرا دمشق... أخيرا/ الطريق من دمشق إلى بيروت/ ساخن من لبنان:بيروت دمشق القاهرة