هدهد الغابة
بينما كنت جالسا تحت ظل شجرة ساعة من نهار تداعبني أشعة الشمس الذهبية وهي تزاحم نسمات الهواء مخترقة الطريق لتصل إلي فتلتمع عيناي بدموع ما تلبث أن تجف قبل أن تخرج من مقلتي فأواري نفسي عن الشمس تارة إلى اليمين مختبئا منها في ظل غصن يظل حاجزا بيني وبينها إلى أن تتمكن أشعة الشمس من زحزحته والنفاذ إلي مرة أخرى. وتارة إلى الشمال بعيدا عنها ثم عدلت عن مغازلة الشمس وتركتها تفعل بي ما تشاء محولا بصري في اتجاه تلك المزارع الخضراء التي تضفي إلى المكان رونق آخر يتكاتف مع مظاهر الطبيعة الأخرى من ماء عذب فرات ومن سماء تحمل في كبدها شموس وأقمار ومن أرض تقل أشجارا وثمار ويا لها من لوحة تريد أن تنطق فتقول "أن في ذلك لذكرى لأولي الأبصار"
أفكر في أحوال الغابة التي ابتلاني الله بها أو ابتلاها بي وتظل هناك تساؤلات حائرة تتردد بين جنبات قلبي تتحول إلى سحب ظلماء تجثم على فكري لا تنقشع إلا عندما أنظر إلى السماء بصفائها وانفراج أساريرها وألمح بسمة على الشفاه تردد "ألا أن نصر الله قريب"
فأعود بنظري وقد امتلأ فؤادي بنسمات من التفاؤل تبحث على العمل والنشاط فأعتبرها زادي على طريق إصلاح هذه الغابة فألتقم حجرا من تلك الأحجار التي تمتلئ بها الغابة وأقذف بها ماء البحيرة التي تراقبني منذ انشغالي مع أشعة الشمس فتتكون دوامات مياه تتسع شيئا فشيئا حتى إذا تخطت ما تسمح به البحيرة من اتساع لفظتها البحيرة كان لم تعرفها من قبل,
فأعاود التقام حجرا آخر لأرى كيف تتخلى البحيرة عن فلذات كبدها,
ولكن قبل أن تتمخض البحيرة عن دواماتها المائية كالمعتاد جاءني صوت صديقي الهدهد تسبقه أنفاسه المتلاحقة وما أن حط رحاله فوق الشجرة حتى رأيت خطوط الذعر والفزع قد ارتسمت فوق وجهه وارتسمت علامات الضيق والحزن فعرفت مضمون الرسالة قبل أن ينطلق لسانه فاستمهلته قائلا: مهلا أيها الهدهد لقد خلق الله الدنيا في ستة أيام وكان جل شأنه قادر أن يخلقها في طرفة عين ولكنه الصبر الذي أراد أن يعلمه لنا.
فقال الهدهد: يا صديقي إن الأمر جد خطير، إن الثعالب قد انطلقت من جحورها تذيع في كل مكان أنك ما جئت إلى هنا إلا سعيا وراء ما يسمونه تاج المملكة وأنك تريد بمنهاجك هذا أن تقيل الأسود من على عروشها وتطيح بموائد الثعالب وتطردهم خارج الغابة ولم يكتفوا بذلك بل أيضا علقوا صحائف على كل أشجار الغابة وأنت تعرف قدرة الثعالب على التسلق والأدهى من ذلك أنه قد وافقهم في مزاعمهم تلك بعض الكلاب والنسانيس وبعض الغربان حتى الغزلان الذين كنا نظنهم أصدقاءنا.
وتركت الهدهد يسترسل في الحديث حتى لفت نظره هدوئي غير العادي فنظر إلى محتدا قائلا: أقول لك كل هذا وأنت ساكن هكذا؟؟!!
قلت: وماذا تريدني أن أفعل؟
قال: على الأقل يكون لنا رد فعل يضع الحق في نصابه ويرد على تلك الاتهامات الكيدية
قلت له كيف؟
رد عليّ: نجمع كل حيوانات الغابة كلهم مثقفيهم وغيرهم في صعيد واحد ثم تقوم فيهم خطيبا وتبين لهم أنك ما أردت إلا إسعادهم والعمل على مصالحهم وأن تعيش الغابة في سلام وأن تاج المملكة لا يعنيك في شيء طالما أن الكل يعيش في ظل نهج واحد وان الثعالب عندما شعرت أن المكر والخداع ليس لها مكان في مشروعك هذا فعلت ما فعلت وتذكر أيضا الحقيقة التي يكتمها كل واحد من أفراد الغابة في صدره ولا يستطيع البوح بها وهى أن الثعالب لا يمكن لها أن تخطو خطوة واحدة إلا بعد أن تأخذ الإذن من أسد الناحية الغربية بل وهناك شيء آخر نقوم نحن في وضح النهار بنزع تلك اللوحات والصحف التي غيروا بها لون الشجر والتي تدعو إلى مقاطعتك والنيل منك أنت أيها الإنسان الذي ابتلاك الله بنا.
فرددت عليه: لا تقل هذا أيها الهدهد إنها قسمة الله التي أرادها لي ولكم -منذ أن قذفت بي الأمواج إلى غابتكم تلك ونجاني الله من الغرق- أن نحيا سويا في زمن واحد وفى مكان واحد.
قال لي: الوقت لا يتسع لتلك المجاملات المهم أن نتحرك لمجابهة تلك الثعالب العميلة هي وأعوانها.
قلت: يا هدهدي مهلا ألا تذكر في العام الماضي عندما أثاروا الغابة كلها أيضا علينا وأن مشروعي الاقتصادي لخدمة حيوانات الغابة والذي ينص على ألا يترك حيوان لشهوته العنان يأكل متى يشاء ويشرب متى يشاء وبالكمية التي يريدها ولأن عليه أن ينظم أوقات طعامه وأن يدخر طعاما لسنوات عجاف قد تأتي ألا تذكر ذلك, يومها أقاموا الغابة ولم يقعدوها قائلين: كيف يتحكم في طعامنا لنا ما نأكل ولنا ما نشرب لا لأحد سلطان علينا... ألا تذكر ذلك؟ بل ألا تذكر يوم تقدمت بمشروع في برلمان الغابة مفاده العمل على تقوية جيش المملكة حتى لا نفاجأ بعدوان أسد الناحية الغربية ويومها قلت أنه يجب أن نكثر من عدد قواتنا على الحدود الغربية تحسبا لأي هجوم قد يقع من قوات الأسد الغربي لأنه بعد انفراده بالساحة وصرعه لأسد الناحية الشرقية ظن أنه الأسد الذي لا يقهر وقد يدفعه غروره إلى غزونا.... ماذا قالوا أيها الهدهد يومها؟
قالوا: من أين جئت بهذه المزاعم؟ إن أسد الناحية الغربية هو الذي يطعمنا ويسقينا وإذا مرضنا فهو الذي يرسل بالدواء ليشفينا إنه نعم الصديق.. إنه.. إلى آخر هذه الاسطوانة المشروخة...
ما أن فرغت من كلامي حتى رأيت اليأس قد تسلل إلى قلب الهدهد وعينيه، فاستدركت قائلا: ولكن يا عزيزي الهدهد ليس معنى كلامي أن نسكت ولكن صنيعهم هذا يزيدنا نحن ثقة في نهجنا وعملا متواصلا دءوب لإصلاحهم وعلينا أن نواصل العمل لنزداد عددا ولنزداد فهما ويومها ستكون الغلبة لنا.
واقرأ أيضاً:
على باب الله نعمة رمضان30/9/2006/ يوميات رحاب: رمضان الزاد والميعاد/ على باب الله: رمضان العهد والوفاء/ شباب الجنة :خواطر رمضانية(2)/ رمضان دروس وعِبَر