من أهم الأهداف التي خلقنا الباري عز وجل من أجلها هو عمارة الأرض، فيجب علينا نشر الخير والسعادة في كل مكان، ولكني أعتقد أن عمارة الأرض ليست بالهدف الذي يستطيع القيام به كل إنسان، فذلك مرتبط بمدى القدرات الشخصية لدى الإنسان، فليس كل الناس قادرا على الإسهام في تطور البشرية، وذلك لأن الله خلقنا مختلفين، فمنا الذكي الذي يملأ الكون حوله نورا، ومنا متوسط القدرات العقلية الذي لا يفيد الناس بالشيء الكثير، ومنا من لا; يملك شيئا يقدمه للمجتمع فلا يغني ولا يسمن من جوع، ولكن ما العمل؟ فالقدرات العقلية ليست بالشيء الذي نملكه من عندنا، فهو هبة من عند الخالق.
ولكن الله أودع في الناس شيئا آخر أيضا، وهو الرغبة في البذل والعطاء وإفادة الناس وخدمة المجتمع، والناس يختلفون في ذلك أيضا، فمنهم من يكون شعلة من الحماس في رغبته لعمل الخير، ومنهم من تشتعل فيه هذه الرغبة وتنطفئ من حين إلى حين، ومنهم من في داخله قبر قديم أو حديقة جرداء لا يملك الرغبة لأن ينفع الناس بشيء، والناس يتنوعون بين هذه الدرجات الثلاث.
ويكمن ما عند الناس مزيجا من تلك الدرجتين، درجة القدرات العقلية والملكات الشخصية، ودرجة الرغبة في نشر الخير والبذل والعطاء، وهنا يكمن الكثير من أنواع البشر، فمن يملك الذكاء الفطري المتقد والرغبة الجارفة لعمل الخير تجده قمرا منيرا يعلم الناس ويخدمهم ويغمر العالم بعطائه، وذلك من أفضل البشر، وليتنا كلنا هذا الإنسان. ومن الناس ما يملك الرغبة الكبيرة لخدمة الناس ولكن الله لم يعطه القدرات العقلية والسمات الشخصية التي تؤهله للقيام بدور مفيد في الحياة، وذلك من أتعس وأشقى البشر، فالرغبة الدفينة في أعماقه لخدمة البشرية لا تستطيع الخروج من أعماقه، فتكون حبيسة نفسه تعذبها وتعمل فيها كالداء العضال الذي لا يترك الجسد قبل أن يقضي عليه قضاء مبرما، فوا أسفاه ويا حزناه على ذلك الإنسان، وهو حبيس آلامه حتى الممات.
ومن الناس من لا يملك الرغبة لعمل الخير ولا يملك القدرة على عمله، فذلك وجوده في الدنيا كعدمه، ولكن حسب ذلك الشخص وعوضه أنه لا يعاني الحزن بسبب قلة فائدته في الحياة، فهو لا يملك القدرة على عمل الخير أصلا. ومن الناس من يملك القدرة على إحياء الأرض ولكنه مسلوب العزيمة والإرادة والرغبة في إضافة المزيد على هذه الحياة، وذلك أسوأ البشر وأنتنهم وأقلهم مكانة في هذه الحياة، فهو لا يدرك أن ما حباه الله به من ذكاء وقدرة على عمل الخير يجب أن يوجه لخدمة البشرية، فما يملكه من قدرات، إنما هو ابتلاء من رب العالمين ليرى هل يحسن استخدام هذه النعمة أم يأتي بوزرها يوم القيامة.
فيا أيها البشر، فليعلم كل واحد منكم من هو من بين هذه الأصناف، ولتعلموا أن لنا ربا سنلاقيه، وأنه سائلنا عن النعم، ولتكن أنظارنا نحو قمم الجبال، فلا نرضى أن نكون من حثالة البشر، فلنكن نجوما في السماء يضيء نورها الكون ويعم خيرها البشر، لنعمل معا نحو دنيا أجم، وعالم أبهى، ولنكن أصحاب اليد العليا ورمز العطاء حتى نلقى الله وقد أدينا الأمانة، ولنتذكر دائما قول الشاعر:
إذا لم تزد على الوجود شيئا فأنت على الوجود زائد
واقرأ أيضاً:
معتز الدمراش وعنوسة الرجال/ الزواج من الملتزم.. كارثة!/ مطلوب عريس/ مطلوب عريس 2/ سيد الرجالة كمان وكمان