أبي ومشكلاته
أبي رجل تخطى السبعين من عمره –أسأل الله أن يبارك في عمره وأن يجعل خير أعماله خواتمها- هو متقاعد منذ أكثر من عشر سنوات.. كان متفوقاً في عمه جداً كونه لم يبحث عن عمل بديل منذ خروجه على المعاش، مما جعله يعيش في فراغ كبير فليس له أصدقاء في مكان إقامتنا تقريباً- فنحن من محافظة ريفية أصلاً.. لم يعتد الخروج فقد كان يومه محصوراً بين العمل والبيت، لذا فمنذ تقاعده لا يخرج من البيت تقريباً إلا لشراء بعض الضروريات.
منذ حوالي عامين بدأت تظهر عليه حالات النسيان فهو قد يسأل عن ذات الشيء أكثر من مرة خلال دقيقة أو دقيقتين، بدأت أتعامل مع حالته بشيء من اللطف فأنا أجيبه عن السؤال أكثر مرة كما لو كان يسأله لأول مرة حتى لا يشعر أنه مريض، المشكلة الحقيقية ظهرت منذ حوالي العام.. وهي أنه أصبح مقتنعاً تماماً أن مدير المؤسسة التي كان يعمل بها -والذي ترك العمل هو الآخر وأبي لا يصدق ذلك- يتربص له وأنه قد أرسل وراءه أتباعه في كل مكان لمضايقته وتحويل حياتنا إلى جحيم؛ إذا سكن في العقار ساكن جديد فهو للتجسس علينا لصالح ذاك المدير، إذا رأى سيارة غريبة في الشارع فهي للعملاء الذين يراقبون تحركاتنا، حين يسير في الشارع يقول أن هذه السيارة أو تلك تراقبه وأنها لأتباع المدير، إذا تعرض لمضايقة في أي مكان عام أو خدمي فالذي ضايقه هذا مأجور عميل، إذا تجمع بعض الشباب تحت بيتنا فهم أيضاً جواسيس، بل إنه شك في جارنا الذي يسكن أمامنا منذ حوالي خمس وعشرين عاماً وادعى أنهم جندوه أيضاً لمحاربتنا والتجسس علينا!
حاولت مراراً أن أقنعه وأمي أن كل هذه أوهام وأنه لا يوجد أحد يحارب أحداً انتهت علاقته به من عشر سنوات! لكنه يقسم أنها حقائق وأننا لا نعلم شيئاً وأنه كان يخبئ الحقيقة حتى لا يزعجنا، وأن مديره ينتقم منه لمشادة حدثت بين أبي وبين أحد المديرين منذ ما يقرب من عشرين عاماً، وأنهم ظلموه في مكافأته حين أحيل للتقاعد ولا يزالون ينتقمون منه ويضايقوه -تعرّض أبي لظلم فعلاً في مكافأة تقاعده، ولكنها كانت عملية نصب لا أكثر-، نحن نتعامل معه بهدوء وسعة صدر فنحن جميعاً نحبه جداً، فهو لنا نعم الأب الطيب الخلوق.
أمي تتحمله في كثير من الأحيان لكن عصبيتها تخونها أحياناً حين ينسى أو حين يستطرد في هذه الأوهام، أعلم أن أبي يعيش فراغاً كبيراً وأنه لم يجد من يؤنسه؛ فأنا أعمل وأخرج من الصباح الباكر ولا أعود إلا ليلاً، ووالدتي أيضا ما زالت تعمل –فهي تصغر أبي بحوالي ثمانية عشر عاماً-، لكنني أريد أن أساعده، حاولت مراراً إقناعه بالذهاب إلى طبيب نفسي وأن هذا ليس عيباً فرفض رفضاً شديداً.
ساعدوني
جزاكم الله عنا خيراً.
04/01/2009
رد المستشار
أخي الفاضل،
إن ما ورد برسالتك بشأن والدك لا يتعدى الوصف لثلاثة أعراض (النسيان منذ عامين، ضلالات الاضطهاد منذ عام، عدم الاستبصار بالحالة)، وهذا لا يكفي في الحقيقة للتشخيص الأكثر احتمالاً في مثل هذه الحالات وهو مرض الخرف والذي يتميز بالفقدان التدريجي للوظائف والمهارات الفكرية لدى الشخص المصاب (اضطرابات الذاكرة والتركيز والانتباه وتحديد الزمان والمكان، إلى جانب فقدان القدرة على التحليل المنطقي للأشياء والحكم عليها وحل المشكلات والمهارات الوظائفية...).
ونريد أن نؤكد أن مثل هذه الحالات يمكن أن تكون لها عدة أسباب أخرى نفسية وعضوية.
ومن الأسباب النفسية لهذه الأعراض بعض أصناف مرض الاكتئاب الذي يشمل الضلالات والاعتقادات الخاطئة والتي من الممكن علاجها.
ومن أسباب ذلك أيضاً بعض الأمراض والإصابات العضوية (زيادة الضغط بالدماغ، النزيف المزمن، التهابات السحايا، بعض الأمراض المعدية والمنقولة، إصابة شرايين وأوعية الدماغ...) التي تتحسن إما بالعلاج الدوائي أو بالجراحة.
ومن الأسباب الأخرى تلف الخلايا العصبية وضمور الأنسجة بالدماغ مثل ما نراه في مرض الزهايمر، إلا أن هذا المرض يأتي مبكراً نسبياً حيث تبدأ أعراضه ما بين سن الخمسين والستين.
لذلك وجبت مراجعة الطبيب وربما التنويم بالمستشفى، إلى جانب بعض الإجراءات القانونية التي يجب اتخاذها لحماية حقوق الشخص وممتلكاته، أو ربما الحجر عليه لعدم أهليته حسب ما يبينه التشخيص السريري والاستقصاءات اللازمة من تحاليل وأشعة...
واقرأ على مجانين:
بعد الستين اضطراب وهامي...... مشاركة
الأعراض الذهانية في كبار السن
بعد الستين: اضطراب وهامي فاكتئاب جسيم
بعد الستين: أهمية الفحص عضويا مشاركة