كنت على علاقة بفتاة أحببتها جدا، وكانت رائعة بكل معنى الكلمة، وتعذبنا كثيرا حتى تمكنا من الزواج؛ لأن زواجنا كان معارَضا من قِبل أهلي وأهلها، ورغم ذلك تخطينا المصاعب، وتزوجنا، ثم سافرت للخليج للعمل.
وبعد وصولي بفترة قليلة استقدمتها لدي، وبدأنا مشوار حياتنا خطوة بخطوة: فرش البيت والإيجار وكل شيء خطوة بخطوة، وكنا مسرورَين جدا، وأحسسنا بطعم كل شيء وكم هو غال عندما نشتريه ويحفر مكانة رائعة في قلوبنا؛ لأننا نشتريه معا. والحمد لله تيسرت الأمور، وأعطانا الله وزاد علينا، كنا مرتاحين جدا ماديا ونفسيا وقلبيا حتى ذلك الوقت الذي دخل فيه صديقي لمنزلي، علما بأنه متزوج، وكنت أغار جدا على زوجتي لمحبتي لها.
المهم سافرت زوجته في إجازة، وأصبح يتردد علينا ويأكل وينام عندنا كالإخوة تماما، علما بأنه من أعز أصدقائي في بلدي. وللأسف بعد فترة اكتشفت خيانة زوجتي معه، مع العلم بأنني كنت قد بدأت بتقليص حجم العلاقة؛ لكوني كنت أشك كثيرا في هذا الموضوع، وخوفا من حصول شيء منه وليس من زوجتي، كنت أمشي في طريق تقصير العلاقة جدا، ولكن ما سبق قد سبق.
وبعد الاكتشاف للخيانة جمعت الاثنين، وسألتهما: لماذا؟ وسألت طليقتي: لماذا، وأنا أحببتك حبا لا يعلم به إلا الله، وأنت كذلك؟ كيف مال قلبك وأنت قد ضحيت بحياتك كي تتزوجيني؟ ودخلت في أزمة نفسية حادة جدا، ولم أتمكن من شدة محبتي لها من قول: "أنت طالق"، ولكن أقنعاني بطريقة رهيبة أن ما كان بينهما أنها تعتبره أخاها، وهو كذلك. وحاولا إقناعي. واقتنعت لسببين: الأول: أنني لم أتصور أو أتخيل حدوث هذا الشيء. والثاني: درجة حبي لها وخوفي من فقدانها؛ لكونها الحب الأول في عمري. استغفرت ربي وقلت ربما أنا مخطئ، علما بأنني لست مخطئا، سامحتها لأن الله يسامح ويرحم ونحن البشر لم لا ؟ ولكن كنت مقتنعا تماما بأن زوجتي محال أن تخونني، وأن ما اكتشفته من علاقة عن طريق التليفون بالصدفة أنها تفضي همومها له .
وبعدها أرسلت زوجتي في إجازة، وإذا بي أفاجأ بقولها: "لن أرجع ولا أريدك وأكرهك، هيا طلقني"، فسافرت إليها لأفهم السبب، وتحملت هناك الكثير من الأمور لكي أمنع الطلاق ومنعته. ولكن ما هو سبب طلبها للطلاق؟ لا أدري، فقط كانت تقول: لا أعلم، ساعة أحس أنني أحبك، وساعة أحس بأنني لا أطيق النظر في وجهك .
وقلت لها بعد حل المشكلة والاستمتاع بالإجازة : سأسافر أنا وتلحقين بي، قالت: لا مشكلة، وحين وصولي اتصلت بها لأطمئن عليها، كانت الأمور جيدة، وبعد مدة اتصلت بها وكأن شيطانا في رأسها: طلقني أريد الطلاق، قلت لها: مستحيل، ما الذي حدث؟ قالت: لا شيء، فقط طلقني. ورجعت ونزلت مرة ثانية، وانحلت المشكلة من جديد. وقبل سفري بيوم قالت: طلقني، وصارت مشكلة كبيرة يومها، وكان فعلا لا بد من الطلاق.
وبعد طلاقي منها تهت ومرضت وانهارت أعصابي جدا، وللأسف تأتي عائلة صديق آخر لزيارتي، وتقول لي: احمد الله أنك لم تنجب ولدا منها وأنك طلقتها. قلت لهم: لماذا؟ قال الصديق: لأنها مرة كانت تتكلم مع زوجتي، وقالت لها: أنا على علاقة برجل آخر، وأجلبه للمنزل بوجود زوجي وبعدم وجوده.. فما رأيكم؟ تأكدت الخيانة، ومعها دليل إثبات شريط كاسيت غير الشريط الذي تم تسجيله أولا وفيه مصائب ولا يمكنكم سماعه. زادت التعاسة والكآبة أكثر فيّ، ولم أعد أعرف ماذا أفعل رغم أني طلقتها.
الحمد لله، أنا اليوم بصحة جيدة، وتعافيت تماما من أمراض وهمية كانت قد واجهتني، ولكني حتى الآن لم أستطع نسيانها، والأغرب من ذلك أنني حتى الآن لم أستطع أن أكرهها رغم كل ما فعلت، وأحس بحنين وشوق لها، ولكني مقتنع تماما بأنها خائنة ولا تستحق هذه المشاعر النبيلة التي أحملها في قلبي الطيب. وقد علمت أن صديقي الخائن قد قام بالسفر ليطلق زوجته، وأنا متأكد أنه ذاهب ليتزوج طليقتي، وبدأت النار تأكل جسدي مرة ثانية.. فماذا أفعل؟
طلبت من أهلي أن يقوموا بخطبة إنسانة ثانية لي، وأنا مقتنع بالفكرة تماما، ولكنني خائف جدا أن يتكرر هذا الموضوع مرة ثانية؛ لأنه قد أصبح عندي ردة فعل من الزواج رغم أنني قادر على الزواج ماديا ونفسيا نوعا ما، وبرغبتي الزواج لأعوض ما فاتني من أمان وثقة.. فبماذا تنصحونني؟
وما زلت أبحث عن زوجة بنفسي تكون إنسانة تحترم مشاعر الحب الرقيقة جدا، وتقدس الزواج، وكلمة "خيانة" غير موجودة بقاموس حياتها، على أمل أن ألتقي بها..
أفيدوني.
1/4/2025
رد المستشار
أخي الكريم، الخيانة الزوجية خاصة، وخيانة الأمانة بشكل عام شيء رهيب شدد الله ورسوله على التحذير منهما؛ لأنهما من أسباب دمار الأسرة والمجتمع والأمة. وللأسف فإن استطلعت ما في عقولنا وأحاديثنا وجدت أغلب الكلام ينصبّ على الخيانة الجنسية، بينما الخيانة السياسية أفدح وأوسع أثرا، وأصعب إصلاحا لمن يريد الإصلاح، وأحاديث المصطفى في غش الرعية، أو تضييع المرء لمن يعول كثيرة، وكان من دعائه: "وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس الضجيع" أو كما قال.
ولأن الخيانة شيء شديد البشاعة والفظاعة؛ فلا يجوز الاتهام بها إلا بدليل ناصع واضح لا يقبل شكا ولا تشكيكا ولا تأويلا، وقديما قالوا: "على مثل الشمس فأقسم وإلا فلا".
من هذا المدخل أجد تناقضا حادا أو على الأقل غير مفهوم بالنسبة لي بين قولك: "اكتشفت خيانة زوجتي"، ثم قولك: "أقنعاني أن ما كان بينهما أنها تعتبره أخاها، وهو كذلك". والمدهش أن تبني اقتناعك بالبراءة على أساسين كل منهما أضعف من الآخر، وقولك: ربما أنا مخطئ ثم تعود فتقول: علما بأنني لست مخطئا.. فما هذا يرحمك الله؟ إما أنك اكتشفت خيانة فعلا، أو أنها مجرد شكوك.. فهل تحديد الأمرين ، أو التفريق بينهما معضلة تحتاج إلى كل هذا الخلط والألغاز؟ وحديثك مبهم عن مفاوضات: تعالي / لن آتي!! وشرائط إدانة… إلخ.
فإذا كان قد ثبت لك بما لا يدع مجالا للشك أنها خائنة.. فهل امرأة كهذه تستحق مجرد التفكير؟ ناهيك عما تصفه من تعاسة وكآبة ونار تأكل جسدك؛ لأن الآخر سيتزوجها.. طيب.. إلى حيث ألقت.. كما يقولون.. والطيور على أشكالها تقع.. فأين دواعي الهم والتعاسة هنا؟ هل هي غنيمة سيحوزها؟ هل أنت مهموم لأنها أساءت إليك؟ فلماذا تساعدها أنت إذن.. وتسيء إلى نفسك وراحة بالك؟
دعني أقُل لك شيئا يفوت على الكثيرين والكثيرات: الخيانة عار على الخائن وحده، والذي يخون أو التي تخون إنما تسيء إلي نفسها، وتبارز ربها بالمعصية. وأقول هذا لمن يعتقدون الخيانة ويمارسونها كنوع من الانتقام، أو الاستعراض، أو التنكيل بالشريك، أو الإضرار الخفي به.. بدلا من مواجهته أو فض العلاقة معه، إن كان هناك ما يدعو لذلك.
لا يوجد أي مبرر مقبول للخيانة مهما كانت الأسباب أو الدوافع والملابسات، وما شرع الله الطلاق والخلع ، وتعدد الزوجات، على ما في هذه الاختيارات من سلبيات نسبية معروفة أحيانا، إلا ليعصم من الوقوع في المنكر الأكبر، والشر الأفدح، وهو الخيانة.
ولقد انقلبت عند المسلمين المعايير، وأصاب بعضهم الخطل والخبل فما عادوا يرون حقائق الدين ولا مقاصده، ولكن أصبحوا يحاولون لَيَّ عنق الأحكام لتخدم واقعا اجتماعيا وأسريا واقتصاديا معوجا؛ فتخون الزوجة وتبرر هذا بهجر زوجها لها، أو غياب الرومانسية بينهما، أو غير ذلك من أسباب، وتكون الخيانة أسهل عليها من مواجهته أو الصبر على إصلاحه، أو خلعه، أو طلب الطلاق، والعجيب أنها تضيف إلى تناقضات منطق خيانتها... رغبتها في الحفاظ على كيان الأسرة والأولاد.. أنعم وأكرم!!
وقد يخون الرجل زوجته كما رأينا في حالات سابقة ، ويبرر هذه الخيانة هو الآخر بمبررات شتى، ويستسهل الوضع الحرام يحسبه هينا وهو عند الله عظيم.
- وقد يسأل سائل: أليس من الظلم أن نقول لزوجة الخائن: اصبري عليه، بينما نقول لزوج الخائنة: اتركها غير آسف على تركها؟ لماذا لا نقول له هو الآخر: اصبر وتسامح، واغفر وتجاوز؟
وأجيب أولا: بأن صبر الزوجة على زوجها الخائن ليس فرضا عليها، إنما هو اختيار حر قد تلتزم فيه طواعية بمواصلة الحياة حرصا على الأسرة والأولاد لعله يتذكر أو يخشى، ولو شاءت فضّ العلاقة معه على خلفية خيانته فلا يستطيع أن يلومها أحد، ولكن في الغالب هي قد تلوم نفسها، ولو بعد حين أنها لم تصبر عليه ابتغاء وجه الله، وحفظا لأسرتها.
ثانيا: وكما قلت سابقا إن الأسرة لا تنعقد وتقوم وتنمو وتسير إلا بامرأة راغبة محبة مختارة ملتزمة بالوفاء، وكامل الإخلاص، والتفرغ القلبي - على الأقل- لهذه الأفراخ الصغيرة التي تحتاجها، بينما يمكن أن يقوم البيت وتستمر الأسرة بنصف رجل، أو بربع رجل - في حالة التعدد- وأحيانا بدون رجل على الإطلاق، إذا غاب ماديا أو معنويا، وفي مقابل إمكانية استمرار الأسرة قائمة على امرأة محبة، ورجل كاره غادر فإنه لا يمكن أن تستمر قائمة على الوضع العكسي؛ لأن المرأة ببساطة هي أساس الأسرة؛ فهي لها مثل العمود الذي تقوم عليه، والرجل مثل الحارس، وقد تقوم خيمة، وتستمر وهي مفتقدة لبعض العون والأمان، ولكنها لا تقوم أبدا بغير عمود.
هذه هي بعض قوانين الأسرة التي تؤسس لعدم التطابق النسبي الموجود فيما بين طرفي تكوينها : الرجل والمرأة، وعدم التطابق هذا لا يقوم على تمييز في الجنس أو الكفاءة أو المواهب... إلخ، ولكنه يقوم على تحديد حاسم للمساحات والأدوار لتقوم الأسرة وتستمر، أو تنفض العلاقة بين الزوجين بينما الأسرة باقية بدون رجل.. كما يحدث في حالة الطلاق حين يحرم الرجل نفسه بالطلاق من الدخول إلى الخيمة، بينما يظل دوره في الإنفاق والحراسة فرضا عليه على النحو الذي شرعه الإسلام.. وبينته أحكامه، والهدف هو وضع الأسرة في الحالة التي تكفل لها أفضل تكوين ممكن.
أخي، معذرة.. أخذتني مشكلتك لهذا التطواف في فهم هذا البناء العجيب الذي هو الأسرة؛ الأمر الذي أرى فقهه غائبا عن كثير من الناس.
إذن: لا تقوم أسرة على امرأة خائنة، ولكن قد يستمر الحب كما في حالتك، ولا يوجد لديك أي خط رجعة لبناء أسرة مع هذه المرأة أبدا، إذا كانت خيانتها قد ثبتت لديك كما يبدو من حصيلة فهم ألغازك.
ويبقى أن تعالج قلبك ونفسك من هذا الحب الذي فعل بك الأفاعيل، وكاد أن يودي بكرامتك واحترامك لنفسك، وسلامتك الداخلية، بل وثقتك في عالم النساء بأسره.
مازلت تشعر بالحنين والشوق لها، ربما لأنها حبك الأول، ولأن لكما تاريخ مشترك ممتد من المعاناة قبل وبعد الزواج، وربما لأنها كانت رائعة شخصياً أو جنسياً، ولكن كما ذهب حسن الخلق بالخير كله، فإن سوء الخلق يذهب بكل المميزات الأخري ، فما بالك بالخيانة .
أخي إن هذا الحب والشوق والحنين هو مثل السم الذي يجري في دمك، ولا يشفي الجسم إلا ترياق من نفس مادته، ولن تنسيك هذه المرأة إلا إمرأة أخري تجمع حسن الخلق إلي حسن الخلقة، وأنا أدعو الله أن يرزقك بواحدة من هؤلاء اللاتي ينسين المرء اسمه، وصدقت يا سيدي يا رسول الله، وأنت القائل: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم".. تابعنا بأخبارك، والسلام.