قلق مفرط وعدم النوم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بداية أحب أن أشكركم على هذا الصرح الرائع وعلى الخدمات التي تقومون بها جازاكم الله عنها كل خير وجعلها في ميزان حسناتكم
لدي مشكلة بدأت منذ سنتين تقريبا وهي أني أعاني من القلق في البداية كانت بسيطة وتخف بمجرد ممارسة شيء أحبه والاسترخاء، ولكن منذ سنة زادت المشكلة حيث أصبحت أعاني من قلق وتوتر دائم معظم الوقت والعصبية الشديدة على أمور تافهة كما تراودني افكار سوداوية ولا أستطيع النوم أجلس ٣٦ ساعة بدون نوم ثم أنام ساعتين أو ٣ ساعات كحد أقصى.
أرجو منكم مساعدتي ولكم جزيل الشكر
بسمة
2/7/2020
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وشكراً لتواصلكم معنا على الشبكة العربية، إن المشكلة المطروحة ورغم أنها موصوفة في عدة سطور، لكنها غاية في الأهمية، لذلك سأشارككم فقرات من كتابي "تحت الإعداد" والذي يبحث في مشكلة القلق، وسيكون المخاطب بلغة الفرد المذكر، لتعم الفائدة جميع من يعانون من هذه المشكلة لانتشارها وظهورها بشكل كبير، ولتكون هذه الاستشارة كمرجع هام لكل من يعاني من القلق.
قبل كل شيء يجب أن نسأل أنفسنا، هل هناك مشكلة حقيقية تقلقني؟ إنه سؤال عليك أن تسأله لنفسك قبل أن تنطلق في حل المشاكل على أساس أنها قلق نفسي. هل هناك حقاً مشكلة تتطلب الحل؟ وبغض النظر عما يشغل بالك اسأل نفسك:
• هل هي مشكلة محتملة وحقيقية أقلق بشأنها؟
• هل هذه المشكلة آنية؟
• هل أملك السيطرة على هذه المشكلة؟
ولأن الشعور بالخوف هو شيء أساسي في طبيعتنا البشرية. بل إن الخوف هو محرك غريزة البقاء عندما نشعر به كرد فعل لموقف خطير وواقعي. ولتوضيح ذلك فكّر في رد فعلك إن اقترب منك حيوان خطير، على الأرجح فإنك سوف تخاف. في الحقيقة، في بعض الأحيان يكون من المفيد أن تكون ردة الفعل هي الخوف في لحظات كهذه، ذلك أننا حين نشعر بالخوف، فإن جسدنا يمر بسلسلة كاملة من التغييرات والتي في مآل الأمر تساعدنا لنحمي أنفسنا. وعلى الأرجح فإن رد فعل الخوف سيقودنا لأمرين، فإما أن نركض لننجو بحياتنا، أو أن نصبح "قويين" بما فيه الكفاية لندافع جسدياً عن أنفسنا. وكما ترى من خلال هذا المثال، فإن تجربة الخوف هي جزء من عملية النجاة.
لكن من الممكن أن يعاني الناس من القلق في مواقف أقل تهديداً. فعلى سبيل المثال، يشعر الرياضيون ببعض القلق قبل لعبة كبيرة أو قبل سباق. وهذا شيء جيد، ذلك أن بعض القلق في هذه المواقف سيحفزهم وسيجعلهم قادرين على التنافس، وقد يكون المثال الأسهل هو الخوف قبل تقديم امتحان أو مقابلة هامة. لكن الخوف يتحول إلى مشكلة (القلق المرضي) إن كان لم يتناسق مع طبيعة الموقف، أي بمعنى أن يحدث غالباً في مواقف لا تحمل أي معالم خطر أو تهديد حقيقي جسدياً أو نفسياً.
وبعض أنواع القلق قد تكون متوقعة في مواقف معينة، وصحية كما وصفنا سابقاً (امتحان هام، مقابلة عمل)، ولكن إن كان القلق شديداً للغاية إلى الدرجة التي يوقفك فيها عن عمل ما يتوجب عليك فعله، فقد أصبح يشكل هنا مشكلة. وعندما يحدث القلق في هذا المستوى من الشدة، فإنه سيتعارض مع جودة حياتك، وسيصبح معطلاً بدل أن يكون دافعاً ومحفزاً.
والقلق هو مصطلح يستخدم لوصف المشاعر غير المريحة للعصبية nervousness، وانشغال البال worry والتوتر tension والتي نعايشها جميعنا من فترة لأخرى. ومن الممكن أن يؤثر القلق على أي شخص، بغض النظر عن عمره أو جنسه. فهو يؤثر على أفكارنا thoughts، واستجاباتنا الجسدية physical reactions، ومزاجنا moods وسلوكياتنا behaviours. وقد يدفعنا القلق أيضاً للشعور بالهلع panic والخوف ويمنعنا من قيامنا بشتى الأمور. وقد تؤدي الضغوطات stress الشديدة في حياتنا إلى وجود مستويات أعلى من القلق.
ونحن نعرف من خلال البحوث بأنه وفي كل وقت، هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من experiencing القلق ويعد مشكلة بالنسبة لهم. وقد يكون القلق إما عاماً للغاية؛ وذلك بأن يؤثر على العديد من المجالات في حياتنا، أو أن يكون محدداً أكثر بمواقف معينة مثل الأماكن المكتظة، التحدث إلى الناس أو التنقل في الحافلات. ومن الممكن حتى أن يحدث على شكل فوبيا/رهاب phobia محددة مثل الخوف من المصاعد أو العناكب.
كيف يؤثر القلق علينا؟ يؤثر القلق علينا من خلال أربع طرق رئيسية:
1. التأثيرات الجسدية Physical effects: حينما نكون قلقين، سنشعر بالعديد من الأعراض الجسدية physical symptoms للقلق، مثل خفقان القلب pounding heart، تقلبات المعدة churning stomach، أو صعوبات في التنفس breathing difficulties. ويؤثر كذلك الضغط طويل المدى Long-term علينا جسدياً.
2. الأفكار: حينما نكون قلقين، فنحن نميل الى أن نشغل بالنا وتراودنا أفكار سلبية negative thoughts مثل "ماذا لو بدوت مغفلاً"، أو "ماذا لو اختنقت/أغمي علي/أصبت بنوبة قلبية". وكما هي الحال بالنسبة للأفكار، فقد تراودنا صورٌ في ذهننا مثل صورة تحطم سيارة أو صورة شخص ما ينتقدنا.
3. المزاج: يعتبر القلق بحد ذاته نوعاً من أنواع المزاج. وقد يؤثر القلق والضغط المطوّل prolonged على مزاجنا بطرق أخرى. على سبيل المثال، إن كنا نعاني من القلق الذي يقيد حياتنا لفترة طويلة من الزمن، فلربما سنشعر بأنّا مذنبين guilty ومحبطين down ومكتئبين depressed.
4. السلوك: يؤثر القلق كذلك على سلوكنا، حيث يغير الأشياء التي كنا نشعر بأننا قادرون على فعلها. الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تجنب avoidance العديد من الأشياء، مثل الذهاب إلى السوبرماركت أو الذهاب إلى طبيب الأسنان. وحينما لا نتمكن من تجنب الأشياء، فقد نقوم بما يجعلنا نشعر بالأمان، كأن نصطحب شخصاً ما دوماً معنا، أو كأن نحمل أقراصاً دوائية لا نكون في حاجة إليها في الحقيقة.
ولنفهم ما يدور داخل عقول الأشخاص القلقين، فإن المصابين باضطراب القلق غالباً ما يجرون حواراً داخلياً عن الأشياء التي يخافون أنها قد تحدث، وفي هذه الحال، فإن تفكيرهم ينصب غالباً على شكل أسئلة من نوع "ماذا لو.."، وتصدح تلك الأسئلة في ذهنك كأغنية، وتبدو كلماتها كما لو كانت على النحو التالي:
"ماذا لو لم أصل إلى الوظيفة في الموعد المحدد؟"
"ماذا لو رسبت في امتحاني؟"
"ماذا لو لم أتمكن من القيام بالعمل؟"
"ماذا لو لم أتمكن من توفير احتياجات عائلتي؟"
"ماذا لو حدث شيء لولدي؟"
"ماذا لو تعرض زوجي/زوجتي/زميلي لحادث؟"
"ماذا لو أصابتني نوبة قلق خلال المقابلة؟"
"ماذا لو أصبح وجهي أحمر؟"
"ماذا لو أصبحت مريضاً؟"
وكما لاحظت فإن الأمثلة أعلاه عن الأفكار المزعجة تتعلق بالأمور الخارجية (العمل، العائلة.. الخ) أو الأمور الداخلية الجسدية (مثل، المرض).
أنواع مختلفة من القلق
من الممكن أن يعاني الناس من القلق بطرق مختلفة، وقد تجد الأمر مفيداً حين تصبح قادراً على التمييز بين المراحل المختلفة للقلق...
يعد تفكيرك والأفكار التي تقفز في ذهنك أمراً ضرورياً جداً في تحديد ماهية شعورك. وللتعامل مع الأفكار توقف للحظّة وفكر: حينما تشعر بشعور جيد، ما هي نوعية الأفكار التي تجول في رأسك؟ وبالعكس، حينما تشعر بالسوء، ما هي نوعية الأفكار التي تنتابك؟
يوافقنا أغلب الناس الرأي حينما نقول لهم: ليس الموقف الذي تواجهونه هو ما يحدد ماهية شعوركم، بل الخواطر والأفكار والتفسيرات هي التي تسبب ذلك. ومن القضايا التي تعد غاية في الأهمية لكل من يعانون من القلق القدرة على التعامل مع المجهول.
التعامل مع المجهول: إن كان لديك هذا الموقف في عدم القدرة على تقبل المجهول، إذن فأنت ترى أن انشغال البال أمر مفيد لك. وقد تظن بأن انشغال البال هي وسيلة لتحضّر نفسك للأسوء، ويجعلك مستعداً لأي شيء قد يحدث. ويعتبر انشغال البال وسيلة لمحاولة التنبؤ بالحياة، لذلك يعتقد اليعض أنهم إذا انشغلوا بذلك فلن يكون هناك مفاجآت سيئة حينها، وبهذه الحالة فهو سيقلل من مفاجأة المجهول. ولأنك قد تظن أن انشغال البال يقلل من شعورك بالمجهول، فستستمر بشغل تفكيرك على الدوام. وبكلمات أخرى، فأنت تستمر بذلك لأنك تعتقد بأنها استراتيجيتك الوحيدة لجعل الأشياء في الحياة أكثر تأكيداً وأكثر قابلية للتوقع- إنها تساعدك لتعتقد بأنك تملك سيطرة أكبر.
في الواقع، هل جعلت انشغالات بالك الأشياء أكثر تأكيداً وأكثر قابلية للتوقع؟ هل غيرت نتيجة ما سيحدث؟ أليست الحياة ما تزال مجهولة وغير قابلة للتوقع كما كانت من قبل؟ إنك ترى ذلك من منظورك فقط، الذي يقول بأنك تملك السيطرة بطريقة ما إن أشغلت بالك. ولكن، هل هذا صحيح بالفعل؟ في حقيقة الأمر، كل ما قمت به هو أنك فكرت بالسيناريوهات لأسوأ الحالات، أحبطت من نفسك، وجعلتها تشعر بشعور سيء للغاية في هذه العملية. لذا، اسأل نفسك، هل يستحق الأمر كل هذا؟ وماذا سأكون كسبت إذا لم يحدث الشيء السيء؟ فقد قلقت على كل الأحوال إن حصل أو لم يحصل.
وبالنسبة لبعض التوجيهات لتهدئة جسدك، وتخفيف الآثار الجسدية، فإن تعلمت كيف تغير عادات تنفسك، فقد يساعدك هذا على التقليل من الدرجات العامة للقلق. وبالإضافة إلى هذا فإن استرخاء العضلات قد يكون مفيداً على وجه الخصوص لأولئك الأشخاص الذين يعانون من انشغال البال، ذلك أن انشغال البال في العادة مرتبط بالشد العضلي. ومن الممكن لهذا النوع من الاسترخاء أن يساعد في إعاقة تطور القلق والتوتر عن طريق تزويدك بالمهارات اللازمة للاستجابة بشكل مختلف للشد العضلي، وهذا يعتبر من أساليب التهدئة وليس أسلوباً علاجياً للقلق بحد ذاته بالضرورة.
لذلك فكر فيما يحدث عندما ينشغل تفكيرك، هل "تنشد متوتراً"؟ في بعض الأحيان يكون التغيير بسيطاً فلا تلحظ أنه حدث أصلاً. وربما تطبق بعض الشيء على أسنانك، وينتهي الأمر وقد أحسست بأن ذقنك مشدود، أو لربما قد يتشنج كتفيك، نتيجة لإحساسك بشد في رقبتك وكتفيك. وقد يرتبط الشد العضلي أيضاً بوجع الظهر وتشنج العضلات والصداع التوتري، وقد تتسبب أيضاً بالشعور بالإجهاد لبعض الأشخاص. ويستجيب مختلف الأشخاص لانشغال البال بالشد العضلي في مناطق مختلفة من الجسد وبدرجات متفاوتة، لذلك ميز ما يصبح مشدوداً من جسمك حين توترك وقلقك، وتدرب على إرخاء هذا الشد.
كما ستحتاج لتعلم بعض المهارات، لكن يجب تكرارها لشهور حتى تتقنها وتصبح كأنها ردة فعلك الجديدة التلقائية للقلق، فأي من المهارات التي تعلمتها، وبما أنها قد تكون مفيدة لك في التقليل من انشغالات بالك (مثلاً، التحدي/إجراء تجربة على معتقداتك حول انشغال البال worrying تحدي انشغالات البال، التخلص من انشغالات البال، تقبّل accepting المجهول، حل المشاكل problem-solving، الاسترخاء relaxation) كل تلك المهارات التي قد تدرسها، أو التي قد تقوم بها صدفة وتساعدك، تحتاج للتمكن منها بالمداومة على فعلها لثلاثة أشهر متواصلة.
و’التخلص‘ من انشغالات بالك يعني أن تفعل الضد لما كنت تفعله بالعادة مع انشغالات بالك، والذي كان يتمثل في اندماجك معها، وملاحقتها، وإبداء ردود فعل لها، وأن تحاول أن تسيطر عليها وتحاول أن تبررها. وبالعكس من ذلك، فالتخلص هو تحرير انشغالات بالك، بأن تتركها تمضي، وألا تندمج معها، أو تبدي أي ردود فعل تجاهها، باختصار أن تراقب ما يحدث من قلق دون القلق منه (القلق من القلق) لتعتاد على وجوده وتهدئته ومضيه، دون أن يصبح بحد ذاته مصدراً لتضاعف القلق.
ومن الحكمة أن تجد شخصاً تستطيع أن تجلس معه وتتحدث براحة. وهذا لا يعني أنك ستخضع لجلسة علاجية تفضي فيها بمكنونات قلبك، ولكنها فرصة لا غير للحديث عما يجري في حياتك، ما هي أهدافك، وأن تتحدث بشكل عام مع شخص تثق به. ففي بعض الأحيان، تبدو المشاكل أكبر مما هي عليه بالفعل حينما يحاول الشخص أن يتعامل معها بمفرده. فاستماعك إلى نفسك وأنت تتحدث حيال أمر ما من الممكن له أن يساعدك في أن تضع الأمر في منظوره الصحيح، وإن كانت المشكلة كبيرة، فننصحك بمراجعة مختص في العلاج النفساني السلوكي المعرفي.