الوساوس القهرية وكثرة التفكير يمثلون حاجز حقيقي
الوساوس تعيقني وتمثل حاجزاً بيني وبين الحياة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي. أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة، عشت طفولة صعبة نوعاً ما من الناحية المادية، غياب الأب فيها كان واضح لفترة تعد طويلة وكانت أمي وأخي هم كل شيء، هذه الظروف وحبي للعائلة كانا حافزين كبيرين لي لكي أتفوق في الدراسة وأكون حريصاً على النجاح، فأنا طموح جداً ومثابر وأسعى دائماً أن أطور من نفسي ومؤمن وأخاف الله وأريد ان أساعد الناس، في الثانوي تراجعت أعدادي قليلاً لكن لازلت متفوقا وفي المعاهد النموذجية (هي معاهد للمتفوقين ندخلها بالمناظرات). كانت أمي إنسانة منظمة جداً وحريصة على كل شيء وصعبة لأنها تربينا وحدها ولأنها ترى فيّ الشخص الذي سيخرج العائلة من الفقر وأنا كذلك.
كل هذه الأيام والظروف الصعبة جداً من مشاكل مادية والمشاكل التي تترتب عليها في العائلة والشجار والتوتر كان صحيح يجعلني أفكر كثيراً وأحلل الأمور كثيراً جداً وأحب الجلوس وحدي و أبكي ليلاً وأكتب كثيراً بقلم حزين وأكبر قبل عمري في التفكير، وجربت شرت الحشيش في سن 18 ثم أقلعت عن هذا لكن كل هذا كان حافزاً وجعل مني رجلاً وهمي الوحيد هو تغيير هذا.
إلى حدود 19 سنة وانقلبت الحياة من سيئة إلى أسوأ جداً بسبب سنة الباكالوريا، أصبحت لا أعيش، أُصبت بوساوس عنيفة ورديئة جداً جعلتني ألزم الفراش، بعد عودتي للصلاة قبل شهرين وتقربت من الله وركزت على دروسي وأصبحت اعيش في راحة حتى جاء يوم عيد الأضحى وأنا جالس مع أصدقاء في المقهى هناك من ذكر التحرش الجنسي في الطفولة أو شيء يشبه هذا فانتابتني نوبة هلع (ركز معي هنا دكتور أنا مبعثر بعض الشيء) وجاء في بالي ذكرى أنه هناك من تحرش بي وأنا تذكرت هذه الحادثة من قبل بعض المرات ولم تكن ردة فعلي هكذا، وأصلاً يا دكتور أنا لم أتذكر أنه تم الاعتداء عليّ بل هو طفل أكبر مني 4 سنوات يبلغ 11 أو 12سنة ويمكن أقل بكثير، وقتها كنت ألعب أنا وأخته وأطفال آخرين نضعوا بعض النبات أو اللُّعب أو الحجارة في الغرفة فقال لنا "ادخلوا بالواحد" ما أتذكره أني دخلت وفقط أراد فعل شيء لكن لم يفعل ذلك، لا أتذكر بالضبط ولكن وإن فعل شيء فهي ملامسة فمنها الأطفال كانوا يريدون الدخول لم يتركوا الوقت له ومنها تفطنت لذلك وخرجت.
كنت حين أتفكر الحادثة أتذكر أني كنت ذكي وتفطنت له وخرجت، لكن يوم العيد قُبض قلبي وبقيت أفحص الفكرة خائفاً جداً ومرتبكاً ونسيت التفاصيل، اأصبحت اتذكر كله أنه قد دخلت إلى غرفة في مخيلتي عاتمة الظلام والطفل قد فعل بي كثير من الأشياء وكلما أتخيل قلبي يولمني وتكثر الأسئلة هل فعل هذا؟ أو أو أو (أنا مدرك أني قمت بتضخيم الفكرة)، لم ترد هذه الأفكار ترك دماغي، أصبت بحالة من الهلوسة وقلت يجب أن أعلم أصدقائي ومن يحبني فهم لا يعرفون حقيقتي وأنا أخدعهم. ثم بعد هذا لم أتمكن مواصلة الصلاة فأنا أعاود الصلاة والوضوء 10 مرات وأكثر. بعد ذلك طرحت أسئلة وجودية عن الله والخلق والكون أتعبتني كثيراً، وصلت حتى اقول كيف هذه أمي؟! وكيف أنجبتني؟! وكيف أنا أتكلم وأحس؟ وما معنى الحب والكراهية؟ ولزمت الفراش في حالة هستيريا لا أستطيع النوم وحتى إن جاء النوم فهو مُتقلّب وأحلم بهذه الأفكار وأفتح أعيني عليها.
بعد عدة محاولات مع الشيوخ لم أكن مقتنعاً بها ذهبت إلى طبيب نفسي شخص حالتي قال لي "إنه وسواس قهري" وقدم لي دواء، عدت إلى مدنيتي واستعملته بعض الأيام ولم أواظب ولم أعد للطبيب فهو في مدينة أخرى ومشاكل مادية وعائلية شوّشت أفكاري أكثر ولم أقبل الدواء. أتتني الوساوس بعدها مع الدراسة، أنا فضولي بطبعي لكن أتتني الوساوس فأنا أدقق في كل التفاصيل وأخرج عن محتوى الدرس وأبحث في أشياء أخرى لا تهم البرامج فأستغرق الكثير من الوقت في هذا وهو ما يجعلني لا أكمل المطلوب، كيف هذا؟ ومن أين؟ ولماذا؟ وأحس بالقلق والهلع لمدة إن لم أجد الإجابة، حتى الأساتذة لاحظوا هذا ونصحوني لكني لم أتمكن أن أتخلى عن هذا السلوك. شربت حشيش تاني وكحول، هذا الشيء لم يخفف الأفكار بل طريقة التعامل معها وخاصة أنه سهّل النوم.
لم أرد أن أجتاز الاختبارات برغم من أن أعدادي ممتازة لكن العائلة رفضوا، نجحت بمعدل لا يرضيني، كانت لي صدمة وبعد ذلك توفي صديقي مقتولاً فكانت صدمة أخرى جعلتنى أرى أن بعض الأفكار التى كانت عندي تافهة. شاركت في مناظرة ودخلت أحسن كلية تجارة في البلاد (ساعدتني فتاة كنت أحبها وتحبني) وكان هذا في حرب مع وساوس في الدراسة وأخرى دينية وجنسية تحتد شدتها أحياناً وتخف أحياناً أخرى. ظننت أني أستطيع التعايش مع هذه الأفكار لكنها تشلُّني أحياناً وكانت سبب أني لم أكن متفوق في الجامعة رغم مؤهلاتي.
تأتيني أحياناً أفكار شذوذ، أخاف أن أكون شاذا وخاصةً أنه يوجد مرة في الصغر مثّلت أنا وطفل صغير أننا أزواج دون أن يصير اتصال حقيقي مباشر، أتذكر أني خفت أصلا من أن يصير ذلك وأوقفت اللعبة، وما زاد حالتي بؤساً هو حينما قرأت على النت أنه من يُتحرش به تصبح لديه أمراض نفسية و... و... و... ويمكن أن يصبح شاذ لكني لم أرى أن هذه الحادثة وإن وقعت أصلاً أنها أثرت فيا فأنا عشت حياتي بدون هذه الفكرة إلى حدود 19، وحتى إن كانت عندي مشاكل نفسية فإنها لعدة أسباب أخرى ليست هذه.
يا دكتور سامحني أطلت، سامحني أنا تعبت وأريد أعيش وأعلم أن هذا غير صحيح لكني خائف دائماً، هناك إحساس في صدري وقلبي غريب، وأحياناً أقول أنه ليس وسواس حقيقي وأحياناً الآن أحس أنه لا هناك ولا حادثة تحرش ولا شيء، كله تخيل، أنا جننت.
ليس الجنس هو المحور الوحيد للوسواس أو للأفكار المؤلمة ففي فترات أرى أنها أمور تافهة وأغلبها صنعتها أنا وأضحك على نفسي لكن تكون لدي أفكار وسوسة أخرى، أنا دائماً قلق ويوجد إحساس غريب في صدري وأراقب نفسي وحين أحس نفسي أحسن ومرتاح أرتبك. أنا أخسر العديد من الفرص في الدراسة فأنا أطمح لعديد من الأشياء وقادر لكن الوقت يمر. هذه الفترة عادت الأفكار بكثرة جدً جداً كما في الأول وخاصةً أني عدت إلى منزل عائلتي بسبب الكورونا فلا يوجد دراسة.
دكتور مع العلم أني شخصية حساسة ومقبول جداً من الناس ويحبونني ويحبون أحاديثي.
لكني أصبحت شيئاً فشيئاً منطوي رغم محاولة الآخرين للتقرب مني فأنا غريب عن نفسي.
4/5/2020
رد المستشار
أهلاً بك بُني على شبكتنا، وشكراً لثقتك بطرح مشكلتك...
رغم طول رسالتك لكنها تحوي فكرتين أساسيتين، الأولى رغبتك في التخلص من الوسواس، والثانية رغبتك في النجاح في حياتك العملية، ولنبدأ بموضوع الوسواس، حيث سنعتمد على تشخيص الطبيب الذي شخص مشكلتك إلى حد ما، وقد نرى وجود عوارض قلق من قبل وجود الوسواس مع ميول كمالية في سلوكك إلى حد ما، ولذلك فأنت تعاني من (مشكلة مرضية)، أي أنها لا تزول بنفسها، بل تحتاج إلى خضوعك لعلاج منتظم للتخلص منها، ويمكن اختصار طبيعة مشكلتك (القلق من احتمال صحة أفكار غير منطقية)، وهذا ما تحتاج للتعامل معه علاجياً إضافة لعوارض القلق، دون اللجوء إلى الكحول والحشيش لحل المشكلة لأن ذلك يطور طبيعة المشكلة وقد يضيف لها مشكلة التعاطي مع المدة، إن الوساوس تتسبب بإجهاد من يعاني منها، حيث تستنزف جزءًا كبيرا من جهده وقدرته ووقته، ولذلك يعتبر علاج الوساوس علاجا للحياة أيضاً وليس فقط للتخفيف من شدة الوسواس القهري.
أما الجزء الثاني من مشكلتك وهو ما يخص رغبتك في النجاح والتفوق، فيبدو أن الله منحك قدرا ممتازا من الذكاء، فحسب ما أخبرتنا، أنك رغم كل الصعوبات ولكنك تنجز دراستك ومناظراتك بشكل جيد جداً، لكن يبقى جزئية عدم رضاك عما تنجز، فهل سبب ذلك أنك تميل للكمال والتفكير القطبي (أبيض أو أسود) فليس هنالك وسط في حياتك؟
ما زلت في مقتبل الشباب، وهذه المشكلات تعطل مسير حياتك، ويبدو في حال أنك لم تتخذ القرار بأن تجعل أولوية حياتك علاج هذه المشكلات قبل كل شيء، فإنك ستبقى في معاناة وضيق، لذلك ألم يحن الوقت لتجعل حل المشكلة اولويتك قبل كل شيء؟، تخيل معي أن تجعل تركيزك كله لمدة سنة واحدة على طلب العلاج لنفسي، والسعي له، ترى ماذا سيحصل بعد هذه السنة؟؟؟
نتمنى لك تمام الصحة والعافية والشفاء العاجل.