وساوس وقهور المبطلات الأخرى ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني16
يضم هذا القسم "وس.وق. العقيدة والأحكام" من أقسام الوسواس القهري الديني طيفا واسع من المواضيع ذات المحتوى العقدي (الشكوك الدينية والشرك والكفر) أو المحتوى التعبدي (وس.وق. العبادات والأحكام التعمقية) أو المحتوى الذنبي (فرط التورع في الأفعال والأقوال والمأكول والمشروب ومع الأحياء والجمادات وفرط التعمق في الاستفتاء)، وتتحرك الظواهر السريرية على واحد أو أكثر من ثلاثة أبعاد سلوكية معرفية هي التعمق في التحاشي و/أو التعمق في السؤال و/أو التعمق في الإحسان، فبينما يمكن أن يختلف المحتوى الوسواسي (عقدي أو تعبدي أو ذنبي) اختلافا شاسعا فإنه يتمظهر من خلال واحد أو أكثر -في نفس الوقت-من هذه الأبعاد السلوكية المعرفية الثلاثة.
أولا المحتوى العقدي وسواس الكفرية
تضم هذه المجموعة وساوس العقيدة والكفر (أي الشكوك العقدية والمحتوى العقلي التجديفي سواء السب الكفري أو التجديف الكفرجنسي إضافة إلى وساوس الاستهزاء( كما تضم وساوس الربط الكفري ووساوس الشرك، وأخيرا وس.وق. تحاشي الكفر، أي أننا نستطيع تقسيم الوساوس الكفرية حسب صورتها السريرية إلى الأشكال التالية:
1- وساوس التشكيك الكفرية
المقصود هنا ليس وساوس التشكيك العقدية العابرة التي قد تشغل الشخص في فترة من حياته كمرحلة الرشد المبكر أو في خضم الأزمات الحياتية، وإنما يقتصر الحديث على الحالات المرضية التي تصل شدتها ومدتها المستوى السريري اللازم لتشخيص اضطراب وسواس قهري وهنا تطرأ على ذهن الشخص المريض أسئلة لا متناهية حول الشك في الله ووجوده وطبيعته ومن خلقَه وعن حقيقة كون الإسلام هو الدين الحق وأسئلة حول الأنبياء والملائكة واليوم الآخر... والمريض يحاول الإجابة على الأسئلة من خلال قراءة كتب العقيدة أو سؤال المشايخ حول هذه القضايا متخيلا أنها مشكلة عقائدية ستحل بالحصول على الاجابات الصحيحة وهو لا يدري أنه كلما حصل على إجابات زادت الاسئلة وتشعبت وانتقلت إلى نقاط جديدة، ولدى كثير من هؤلاء مفاهيم مثل أنه لابد من وجود إجابة لكل سؤال وإلا فأنت على شك أو لست مكتمل الإيمان وغير ذلك مما يسهل وقوع المريض في حبال القهور مثل استمرار التفكير أو البحث أو السؤال، وأحيانا يستخدم الوسواس حيلا مثل تهمة "عدم التفكير معناه الرضا" أو "عدم الرد معناه أنك على شك!" ومثل "يجب ألا يوجد سؤال بلا إجابة" أو "إن لم تفكر أو تبحث عن إجابة فهو كفر" وأحيانا يهدد مثلا "فكر في الفكرة الأولى وإلا أتتك أفكار أفدح"!
عندنا ما قد يكون نوعين مختلفين من وساوس التشكيك العقدي أحدهما حميد يدور حول أسئلة وجودية محورية تهم كل إنسان أعظمها الشك في وجود الله جل وعلا علوا عظيما..... ثم الشك في صحة العقيدة أو الدين أو العدل الإلهي، ثم الشك في الأحكام الفقهية أو أخبار الأنبياء والرسل، والثواب والعقاب وشتى ما يخطر على البال من تساؤلات أو شبهات وفي هذا النوع تكون الأسئلة التي تحير الموسوس من النوع الذي يملك أقرانه في الدين إجاباتٍ مريحة لهم بينما يقع هو في دوامة الشك والرغبة في الخلاص منها وكره وجودها، ولهذا النوع غالبا مسار حميد نوعا يهدأ ولو مرحليا وربما تتغير التساؤلات وربما تتعقد الأمور إذا وجد تناقض في الآراء لكن المسار رغم ذلك يبقى حميدا، وأما النوع الثاني أو الخبيث فهو النوع التعمقي والذي تدور التساؤلات فيه حول مسائل غيبية لا تهم ربما إلا الموسوسين مثل التعمق في الأسئلة الغيبية والتشكيكية والتي لا يسأل عنها أحد مثل السؤال عن شكل الله عز وجل وصفاته الحسية، أو السؤال عن يوم القيامة أو يوم الحساب؟ هل هو يوم واحد؟ أم أكثر؟ وهل يكفي؟ ومثل السؤال عن معنى الخلود في النار؟ ومثل التعنت في السؤال عن الحور العين، أو أخبار الجنة.... إلخ، وفي مثل هذا النوع كثيرا ما يظهر إعجاب المريض بتساؤلاته باعتبارها فريدة لم يجبها أحد وربما لم يسألها من قبله أحد، إلا أنه رغم الإعجاب بالفكرة لا يكون أقلَّ معاناة من صاحب النوع الحميد لمعرفته بحرمة الخوض أصلا فيما يخوض فيه على المستوى الفكري، وعدم قدرته في نفس الوقت عن التوقف.
2- وساوس السب الكفري
تعد هذه الوساوس من أكثر صور الوسواس القهري الديني شيوعا، وتتعلق بالتجديف أو السباب على المقدسات (اسم الله عز وجل أو الأنبياء والرسل أو كتاب الله أو المساجد إلخ)، ونجد من السب الكفري ما يشعر الشخص به كأنه يقال داخله، ومنه ما يشعر الشخص أنه على طرف لسانه، ومنه كذلك ما يتلفظ به الشخص قهرا، ومنه ما هو متقطع ومنه ما يكاد يكون مستمرا ومنه ما يرتبط بالعبادات أو المشعرات الدينية (صوت الأذان أو ذكر الله رؤية القرآن...إلخ)، ومنه أيضًا ما يقال داخل الشخص مثلا أثناء الصلاة فحاول التركيز في صلاته حتى أتمها، ثم تجده بعد الصلاة يشك هل تلفظ بذلك السباب أم لا؟ عاجزا عن التذكر لأنه ركز في الصلاة!! وقد تشمل هذه الوساوس ما غير السباب مثل الربط بين سماع أو رؤية لفظ الجلالة وبين صور عقلية جنسية (كفرجنسية) أو صور الحيوانات أو غير ذلك مما لا يليق بالله جل وعلا.... وعادة ما يلجأ هؤلاء المرضى عند حدوث التجديف إلى أفعال تحييد أو تكفير كالاستغفار أو نطق الشهادتين (أو الاغتسال ونطق الشهادتين)، وربما تحاشي ما يرتبط به التجديف، وهناك من يضم شفتيه وربما يثبت لسانه وأسنانه لمنع نفسه من التلفظ، وهناك من يلجأ للدعاء على النفس أو الأهل وهناك من يضرب نفسه أو يؤذيها بشكل أو بآخر.
قدر لا بأس به من المرضى -ما زال- يحاول إبقاء الأمر سرا بينه وبين نفسه ما استطاع خوفا من اتهامه بالكفر أو الجنون، وأكثر أو أغلب من يبوح بمثل ذلك في عالم اليوم سرعان ما يجد من يطمئنه إلى أن هذا مرض اسمه وسواس قهري، لكن الاطمئنان يبقى هشا رغم ذلك!! ففي حين أصبح الحكم الفقهي بإسقاط المسؤولية عن السب الكفري بسبب الوسواس القهري مشهورا مقارنة بعقود بما قبل شيوع الإنترنت، إلا أن المؤسف أن اطمئنان المريض المبدئي -بعد سؤال العارفين- إلى أنه لم يكفر ولا حساب عليه نادرا ما يستقر! بسبب عدد من الحيل التي يلجأ لها الوسواس لإعادته إلى المربع الأول، ولعل أولها التشكيك في كونه مريضا والرخصة للمريض، وبالتالي هو ليس معذورا، أو مثلا "هذه المرة ليست وسواس"، ومعنى ذلك أنه خرج من الدين وعليه الدخول ثانية، وأما ثانيها فهي حيلة الاسترجاع أو التذكر أو الاستحضار لكلام الكفر لتغييره أو عكسه، أو للتأكد من أنه كان تحت تأثير الوسواس أو للتأكد من رفضه وإنكاره له، وأحيانا كتابته نفس السبب، وأحيانا تكون الكتابة خوفا من نسيانه وعدم تذكره عند التوبة والاستغفار! .... وأما يلي تلك الحيلة فهو اتهام صريح من الوسواس بأنك استرجعت أو استجلبت أو كتبت الكلام الكفري عمدا أو أن صدرك انشرح للكفر أو أنت قصدت الاستهزاء والاستهانة بذلك... إلخ. وهكذا يعود المسكين إلى المربع الأول.
3- الوساوس الجنسية الكفرية أو الكفرجنسية:
هنا تختلط المعاني والصور الجنسية بالمعاني الكفرية بأي شكل كان، وهذه وإن فاض قبحها في الأذهان فإن الواقع ألا شيء أقبح من الكفر ليزيد الكفر قبحا، بمعنى أنها ليست أقبح من أي من وساوس الكفر، وليس واضحا ما إن كان شيوعها في السنوات الأخيرة ناتجا عن سهولة البوح بها عبر الإنترنت والذي يشجع المريض بالتالي على البوح بها لطبيبه أو معالجه، أو ناتجا عما وفرته الإنترنت من مواقع جنسية ثم كفرجنسية!؟! بحيث أصبح ما لم يكن ممكنا أن يخطر ببال أحد، مادة لتنافس المواقع على الإنترنت، ذلك أن واقع الممارسة السريرية يشير إلى زيادة هذا النوع من الوساوس خاصة في الفئات العمرية الأصغر، وكثيرا ما يرتبط بالاستمناء وارتياد المواقع الجنسية الإباحية..... وربما أفرز ذلك صورتين مختلفتين كيفا، ففي حالة الوساوس الجنسية الكفرية نجد لدينا الصورة القديمة والتي كانت تشمل رؤية صور أو رموز جنسية، أو سباب جنسي كلما ذكر الدين أو الله أو الرسل... إلخ ذلك من مقدسات أو عند رؤية المسجد أو سماع الأذان، وهناك من تداهمه أفكار أو صور تربط الجنس بالدين أثناء الممارسة الجنسية مع شتى ما يمكن من معانٍ وارتباطات والتخيلات وصولا -والعياذ بالله- إلى ممارسة الجنس مع الله!! وكان المعتاد سريريا أن المريض ظل يعاني منها لسنوات قبل البوح بها، وأما الصورة الأحدث من الوس.وق. الكفرجنسية فمرتبطة بالأساس بما أفرزته المواقع الجنسية الإباحية من ربط الممارسة الجنسية بالإهانة المتعمدة للدين والرموز الدينية كالكتب المقدسة (التوراة والإنجيل والقرآن) أو قصاصات منها، أو سماع أو تلاوة الآيات.... فحين يتعرض الموسوس أو المهيأ للوسوسة لمثل هذه المواد كثيرا ما تأخذ وساوسه صورة مرتبطة بها، وهذا الشكل أكثر شيوعا في صغار السن وعادة ما لا يتأخر البوح به.
ويتبع>>>>>: وساوس العقيدة والأحكام ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني18
واقرأ أيضًا:
استشارات وسواس العقيدة / استشارات السب الكفري!